بيروت | Clouds 28.7 c

قراءة في اوراق جهاد كرم

قراءة في اوراق جهاد كرم

المناضل العروبي البعثي،السفير اللبناني للعراق

الشراع 4 تشرين أول 2019 العدد1919

 

*ميشال عفلق وجد نفسه منقاداً الى اشهار اسلامه لكن صدام حسين آثر ان يمتنع عن ذلك مخافة ان يفسر بأنه انتحارية سياسية

*ابن عفلق اطلعه والده على ورقة تشير الى عزمه على اعتناق الاسلام

*عفلق قال: اذا كان الاسلام روح العروبة فأنا مسلم حتماً. ولا يمكنني ان أقود حزباً يمثل الأكثرية العربية وانا خارج دينها

*عفلق كان يكن احتراماً واضحاً لحافظ الاسد لأنه وجد فيه دماثة وتفهماً ولياقة واحتراماً

*حافظ الاسد فضل تسهيل امر مغادرة عفلق من سورية الى العراق

*ميشال عفلق لم يظهر تحيزاً ضد الأقليات والعلويين وكان يعتز بالسنة كممثلين للأكثرية العربية

*عفلق لم يكن يثق بالضباط العلويين وكان يرتاب من صلاح جديد ومحمد عمران وحافظ الاسد

 

 

 

الأوراق التي ننشرها للمناضل العروبي البعثي السفير والمحامي والصديق جهاد كرم، مستقاة من ثلاثة مصادر:

المصدر الأول هو ما كتبه بخط يده وسلمه لمن كان يرى نفسه أباها الروحي السيدة سحر رحال.

المصدر الثاني هو ما سجله بصوته وسلمه ايضاً للسيدة سحر.

المصدر الثالث هو ما كتبته سحر من أجوبة الراحل الكبير على أسئلة عديدة ضمن محاور مختلفة وجهتها لجهاد أثناء اقامتي الطويلة في القاهرة، وكنت أرسلها الى سحر لتعرضها على جهاد ويستفيض هو في الاجابة عنها وكله املاء لها، وتوصية أبوية منه بأن يسلمها لي لنشرها في ((الشراع)) ثم اصدارها في كتاب هو الجزء الثاني من مذكراته الشخصية والسياسية انما بعد رحيله..

لقد تنازل الراحل الكبير بملء ارادته وأمام كاتب بالعدل عن كل هذا للسيدة سحر رحال هدية منه لها تقديراً واحتراماً وشكراً لوقوفها معه دائماً وحرصها على رعايته هي وأسرتها ما استطاعت، وكان جهاد يكن عاطفة أبوية وحرصاً شديداً عليها.

ونحن اذ نبدأ اعتباراً من هذا العدد نشر بعض من اوراق جهاد كرم رحمه الله، فإننا نعاهده وهو في رحاب الله ان ننشر الجزء الثاني من مذكراته في كتاب في أقرب وقت ممكن بعد انتهاء نشر ما تيسر من أوراقه في ((الشراع)).

حسن صبرا

 في أول قراءة لأوراق الراحل الكبير جهاد كرم نطالع فصلاً خاصاً عن مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي الذي انتمى اليه كرم، ميشال عفلق، وتدرج كرم في صفوفه حتى كسب ثقة أقوى شخصية في تاريخ الحزب الرئيس الراحل صدام حسين فعينه سفيراً للعراق على الرغم من كونه لبنانياً وليس عراقياً، وهو المنهج القومي الحقيقي الذي كان صدام مؤمناً به.

ولأن جهاد كرم أملى هذه الاجابات رداً على اسئلتنا عندما كنا في القاهرة على العزيزة سحر رحال في بيروت كما ورد في المقدمة، لذا سيلاحظ القارىء انتقالاً من واقعة الى أخرى على الرغم من جهدنا لربط الموضوع الأساس وهو الحديث عن عفلق ورؤيته للحزب داخلياً وطائفياً وتمسكه بالاسلام وأسباب ذلك، ثم الحديث عن اشهاره الاسلام واثباتات ذلك.

انها الحلقة الأولى من أوراق جهاد كرم آثرنا فيها ان نطل على القارىء عبر الحديث عن مؤسس البعث الذي مات جهاد على قناعته بفكره كما عاش ملتزماً به.

ح.ص

أراد عفلق اشهار اسلامه لكن صدام منعه

لم يعتبر ميشال عفلق نفسه يوماً مسيحياً على الرغم من انه ولد من عائلة ارثوذكسية منذ ان كان يافعاً عاش في حي الميدان الدمشقي الذي تفوح من أجوائه رائحة العروبة الأصيلة، وعندما كان في فرنسا طالباً جامعياً اطلع على الفكر الغربي وتشبع بشكل خاص بالفكر الماركسي. لكنه ظل مؤمناً بالعروبة وان العروبة هي جسم روحه الاسلام فالعربي المسيحي عليه كي يكون قومياً عربياً ان يؤمن بالاسلام اولاً ولا يعني ذلك ان يمارس الطقوس الاسلامية بل يكفي انتماؤه الى الاسلام ثقافة وروحاً وحضارةً وايماناً من دون التوغل في الطقوس اي الصيام والصلاة علماً بأن الصيام والصلاة والزكاة واجبة عند اتباع الرسل موسى وعيسى وطبعاً محمد.

سنة 1943 قبل ان يؤسس حزبه رسمياً أعلن عفلق في محاضرة في مدرج جامعة دمشق: ((ان العروبة لا تصح الا بالاسلام وان كان محمداً موحد العرب برسالته فعلى كل عربي ان يكون محمدياً)).

على هذا الأساس بنى حزبه وسير أفكاره ولم يؤمن يوماً بالعلمانية اي بمعنى ان يكون معادياً للدين، ولكنه كان يؤمن بعدم تدخل رجال الدين في السياسة ولكنه كما قلنا ينفر من عبارة العلمانية لأنها غير مفهومة في الشارع العربي المؤمن بحسب رأيه.

وأثناء نضال الحزب في سورية لم يكن ميشال عفلق يحتاج الى تفسير هذه الظاهرة، اما عندما ذهب الى العراق ونجحت الثورة الاسلامية في ايران التي أرادت أسلمة المنطقة وفق المفهوم الشيعي ومن ثم اندلاع الحرب العراقية – الايرانية التي استغلت اسم ميشال عفلق كمسيحي، فإن عفلق وجد نفسه منقاداً الى ضرورة ترجمة موقفه الى اشهار اسلامه ولكنه وبعد ان تداول في الأمر مع صدام حسين آثر ان يمتنع عن ذلك في حياته مخافة ان يفسر بأنه انتهازية سياسية.

ويقول اياد الابن البكر لميشال عفلق ان والده قد اطلعه على ورقة تشير الى عزمه (ميشال عفلق) على اعتناق الاسلام عندما كان يقوم برحلة بين باريس وبغداد، وتعرضت الطائرة التي تقله للانواء الجوية (مطبات) وانه كتب رسالة قال فيها بأنه مات مسلماً.

وعندما توفي عفلق في المستشفى العسكري في باريس فوجئنا ببرزان التكريتي يقول ان بغداد أعلنت ان ميشال عفلق مات مسلماً وطلبوا السماح بدفنه على الطريقة السنية.

وقال لنا سفير العراق في معرض سؤالنا عن مدى صحة اسلام ميشال عفلق، انه سأل عفلق في احدى الليالي، وكان في زيارته في بغداد عام 1985- 1986 عن صحة ما يشاع فقال: ((اذا كان الاسلام يعني الطقوس والصوم والصلاة فأنا لم أمارسها في حياتي، لا وفق المفهوم المحمدي ولا وفق المفهوم المسيحي، اما اذا كان الاسلام ايماناً وهو روح العروبة وأساس الثقافة والحضارة، فأنا مسلم حتماً، وركز على عبارة مشهورة له انه ((لا يمكنني بأن أقود حزباً يمثل الاكثرية العربية وأنا خارج دين الاكثرية))، بمعنى انه مسلم سني لأن أكثرية المسلمين هم سنة ولا يمكن ان أكون من الاقلية ليس انتقاصاً منها ولكن احتراماً للأكثرية.

وهنا تابع: ((يجب الا يكون هناك فرق مذهبي او طائفي لدى البعثيين ولكن المسيحي البعثي قبل ان يكون بعثياً عليه ان يكون مسلماً)). ويعتقد الذين حوله بأنه ما كان يقصد هنا ان يتحول المسيحيون الى اداء الصلاة والفروض فهذه بين الانسان وربه، بل عليهم الشعور بأنهم مسلمون وان لا عداوة له معهم.

ووفق ما عرفته – يتابع جهاد كرم في أوراقه:

ان ميشال عفلق كان يريد اشهار اسلامه خلال فترة الحرب الايرانية – العراقية (1980- 1988) نتيجة ادراكه للظلم الذي واجهه العراق من الحملة الاعلامية الايرانية بأن نظام العراق يقوده نصراني، رفض صدام ذلك كي لا يفسر هذا الموقف على أساس انتهازي ولما اشتدت الحرب وبدأت الدفة تميل في مرحلة من المراحل الى ايران نقل قياديان عنه بأنه في حال موته (والكلام لصدام) يجب ان يعلم الجميع بأن ميشال عفلق قد أسر له (لصدام) برغبته في اشهار اسلامه، وكان هذان الشخصان هما نائب رئيس مجلس قيادة الثورة آنذاك عزت ابراهيم الدوري ونائب رئيس الجمهورية طه ياسين رمضان.

وكان ميشال عفلق قال لمجموعة من البعثيين العرب والعراقيين، اي ان هذا الحديث ليس محصوراً بجهة واحدة - بل ذكر أمام كثيرين - بأن البعثيين هم مسلمون بالضرورة والايمان والثقافة ولا يحول عدم ممارستهم الطقوس والعبادات بأن يكونوا مسلمين، وقال مرة بالحرف: ((على المسيحي اللبناني كي يكون بعثياً ان يكون مسلماً اولاً ومن ثم بعثياً كي يستطيع ان يجسد ايمانه وأفعاله تجاه خدمة الاسلام الحديث)).

عفلق وحافظ الاسد

كان ميشال عفلق يكن احتراماً واضحاً للرئيس الراحل حافظ الاسد لأنه وجد فيه دماثة وتفهماً ولياقة واحتراماً فهو قلما كان يرفع صوته أمام ميشال عفلق او تمادى في انتقاداته، كما كان يفعل ضباط آخرون اما هل ساعد الاسد عفلق على الهروب بعد انقلاب 23 شباط/ فبراير عام 1966 فهذا أمر ليس من السهل اكتشافه لأنه جرى في ظروف شديدة الغموض وثانياً لأن الذي يملك المعلومات الواضحة الموثوقة غير موجود بعد مرور هذه السنوات الطوال.

أما الذي يعرف حافظ الاسد، خصوصاً في بداية 23 شباط/ فبراير فيمكنه ان يميل الى القناعة بأن الاسد قد فضل تسهيل أمر مغادرة ميشال عفلق سورية على ان يبقيه من دون ان يقدر نتائج مثل هذا البقاء.

في النهاية لا يخضع هذا الموقف الى مبدأ الصح الكامل او الخطأ الكامل، بل تدخل فيه الاعتبارات الذاتية والاصطفاف الحزبي اذ ينتسب كل فريق الى مجموعته.

فجماعة القيادة القومية لا يريدون الاقرار بدور ما لحافظ الاسد في هروب ميشال عفلق، كما ان جماعة حافظ الاسد في المقابل يؤكدون انه لولا حافظ لما كان استطاع ميشال عفلق ترك سورية..

وفي الحالتين لا يمكن انكار ان حافظ الاسد عندما كان شريكاً في الحكم مع صلاح جديد.. حكم على مؤسس الحزب الذي جاء بهما الى السلطة.. بالاعدام.

عن العلوية والسنية

موضوع الأقلية والاكثرية في سورية لم يكن مطروحاً بهذه الجدية وبهذا الجزم لأن سورية كانت دائماً ترفع شعارات القومية العربية ووحدة النضال العربي، وتفتح المجال لكثير من العناصر العربية الوافدة اليها والراغبة في الأمان داخل ربوعها حتى قبل حزب البعث. ففارس الخوري اللبناني المسيحي من قرية الكفير في منطقة حاصبيا، أدى دوراً بارزاً وتبوأ أعلى المراكز في سورية.

وناضل جنباً الى جنب مع أعضاء الكتلة الوطنية في محاربة الاستعمار الفرنسي وتتابعت الاحداث واستمر الوضع في سورية بعيداً عن الطائفية وعندما تأسس حزب البعث العربي في نيسان/ ابريل عام 1947 عقب مؤتمره التأسيسي الأول في دمشق ضم لأحضانه عرباً سنة وشيعة وعلويين ومسيحيين وكل أطياف المجتمع السوري.

يجب ان نفرق بين حقيقة ما جرى وبين ما آلت اليه الأوضاع من حمى طائفية في هذه الأيام، كان الجيش السوري عقب الاستقلال يضم في صفوفه كثيراً من الضباط ونواب الضباط وأصحاب الرتب الصغيرة من كافة أنحاء سورية، وخصوصاً من ابناء العائلات كالاتاسي والزعيم والعائلات الدمشقية المرموقة.

وكان أكرم الحوراني الذي أصبح فيما بعد شريكاً اساسياً في حزب البعث العربي الاشتراكي عندما اندمج البعث العربي مع العربي الاشتراكي قد فتح الباب في وزارة الدفاع التي كان يتولاها للعديد من ابناء الريف السوري ولا سيما في مناطق حماه وحمص والساحل السوري ودرعا وجبل العرب.

ترافق مع بداية الانقلابات العسكرية في سورية في آذار/ مارس 1949 تجاوب الجيش كمؤسسة مع الافكار الاشتراكية التي بدأت تطفو على سطح الأحداث عقب انتصار الحلفاء والاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية وعندما اشتد الصراع في سورية بين القوى المدنية المحافظة مع العائلات السياسية: أمثال القوتلي والاتاسي والبرازي والعظم وحومد ونظام الدين بدأت الكفة تميل لصالح الفئات الشعبية غير الميسورة.

كان معظم العلويين في الجيش السوري موزعين في ولائهم الى حزبين هما البعث العربي الاشتراكي، والسوري القومي الاجتماعي. كما كان هنالك عدد من الشيوعيين الناشطين داخل الجيش.

أول عملية تصفية تناولت السوري القومي الاجتماعي جاءت بعد تبني الحزب بزعامة جورج عبدالمسيح جريمة قتل العقيد البعثي عدنان المالكي وهو أحد ابرز ضباط الجيش من ابناء المدينة (دمشق) وانتمائه الديني الى السنة وترافق مع ذلك استغلال بقايا ضباط اديب الشيشكلي في الجيش امثال عبدالحميد السراج وحسين حدة ذلك لتقوية مواقعهم. عهد الوحدة شهد تصفية العديد من الضباط البعثيين وتابعت حركة الانفصال تصفية البقية من ضباطها من الشوام أمثال الكزبري وعصاصة، عقب ذلك قامت حركة آذار/ مارس التي قادها البعثيون والناصريون ضد الانفصال تعرضت ايضاً الى تصفية عدد من الناصريين الذين كان معظمهم من الوحدويين وابناء المدن. آنذاك خلا الجو للبعثيين وانصارهم الذين كان معظمهم من المنتمين الى الطائفة العلوية الكريمة ولم يكن ميشال عفلق حيال كل هذا يتدخل في الجيش بل طبعاً كان يطرب لاحتواء الجيش السوري على أطياف المجتمع السوري كافة.

يمكننا ان نلحظ ان ميشال عفلق كان يفخر ويعتز بالطائفة السنية كممثلة للاكثرية العربية غير انه لم يظهر اطلاقاً تحيزاً ضد الأقليات ولا سيما العلويين في الجيش السوري.

ان الصراع الشخصي الذي بدأ داخل اللجنة العسكرية المكونة من ضباط من مختلف المذاهب في سورية جعل الأمر الواقع يميل الى تقدم العلويين على سواهم ومن هنا تعقيدات الوضع وعدم النضج والوعي واثارة العصبيات والتخلف كل هذه العوامل أثرت في تركيبة الجيش السوري وجعله يشعر بفراغ لغياب الأكثرية وسيطرة الأقلية. كان ميشال يحارب اثارة مثل هذه المواضيع ووقف في وجه امين الحافظ الذي كان رئيس مجلس (قيادة الثورة) في سورية يوم جرى انقلاب 23 شباط/ فبراير.

وكان عفلق واضحاً هنا بعدم رغبته بالتنسيق مع الضباط العلويين ليس لأنه لا يثق بهم بل لأنه يدرك ان معاداة الأكثرية لا يفيد القضية الوطنية والقومية في سورية ويؤثر فيما بعد على الوحدة الوطنية وللأسف فقد صدق ظنه بما نراه اليوم وهو ثمرة ما زرع عبر تلك السنوات ومن هنا نقول ان الاستاذ ميشال كان يعتبر ذاته والحزب صنوان كان يرتاح للضباط الذين يظهرون الولاء له في حين كان يرتاب من الضباط الذين اكتنفهم الغموض امثال محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الاسد.

 

الحلقة المقبلة: عن الثلاثي العلوي محمد عمران – صلاح جديد- حافظ الاسد

 

قصة احمد ابو صالح

كان احمد ابو صالح ينتمي الى جماعة القيادة القطرية المدعومة من اللجنة العسكرية وأثناء المؤتمر تبرع احمد ابو صالح للدفاع عن اللجنة ونفي كل ما تفعله حيال تقوية نزعة التكتل داخل الحزب ومن أبرز المآخذ التي كان يرددها البعثيون المناوئون للجنة العسكرية واستطراداً للقيادة القطرية داخل المؤتمر هو التدخل في الانتخابات التي سبقت انعقاد المؤتمر ولما رأى عفلق ان احمد تمادى في دفاعه عن عدم وجود اي نوع من التكتل سأله ((بشرفك الحزبي يا رفيق احمد هل انت دقيق في ما تذهب اليه)). فقال: ((نعم استاذ)) عندها استفظع عفلق جسارته كي لا نقول وقاحته ورتب أوراقه وغادر المكان.

 

 

الوسوم