بيروت | Clouds 28.7 c

((الانتخابات القذرة)): اسرائيل ما تزال في حقل مناورات نتنياهو

((الانتخابات القذرة)): اسرائيل ما تزال في حقل مناورات نتنياهو

مجلة الشراع 20 ايلول2019 العدد 1917

 

انتهت ((أقذر)) معركة انتخابية شهدتها اسرائيل منذ بداية إبتداعها، كما يجمع كل المعلقين الاسرائيليين تقريباً. فهذه الانتخابات لم تجرِ على أساس التباري بين برامج سياسية متمايزة، بل على اساس توجيه شتائم شخصية متبادلة. حملة بيني غانتس زعيم الوسط قامت على تهشيم صورة بنيامين نتنياهو الفاسد، ونتنياهو ركزت حملته على صورة غانتس المتحرش جنسياً. فيما الفروقات بينهما بخصوص الموقف من الصراع الاسرائيلي مع الفلسطينيين تبددت، حيث ان كلاهما تباهى بأنه الأقدر على تدمير غزة وعقد المؤتمرات الانتخابية من غور الاردن للدلالة على انها ارض اسرائيلية. 

والواقع ان الانتخابات، جرت بشكل خاص، على أساس واحد، وهو ((من مع نتنياهو من الاسرائيليين ومن ضده منهم))، بمعنى آخر فإن هذه الانتخابات بدت كأنها استفتاء اسرائيلي على أهلية نتنياهو للاستمرار في الحكم. 

وبدرجة تالية فإن هذه الانتخابات جرت على موضوع قياس مدى ارتفاع منسوب العنصرية الاسرائيلية ضد العرب. وبرز ذلك بوضوح من خلال ان نتنياهو خرق الصمت الانتخابي في يوم الانتخاب ليعلن لوسائل الاعلام انه اذا لم ترفع بيئات اليمين نسبة تصويتها، فإن العرب داخل الخط الأخضر سيتحكمون بهوية تشكيل الحكومة العتيدة. وابعد من ذلك فإن نتنياهو واليمين وحتى يمين الوسط، غذوا مادة حملتهم الانتخابية بالتحذير من التصويت العربي وذلك لدرجة تشي بأن اسرائيل سائرة في المدى القريب للتراجع عن قبولها بمنح العرب حق التصويت في الانتخابات الاسرائيلية، كون من يحق له التصويت هم اليهود فقط الذين لهم الحق وحدهم بتقرير مستقبل الدولة الدينية اليهودية. 

وبعد ساعات من اقفال صناديق الاقتراع ، تظهر صورة النتائج الأولية للانتخابات الاسرائيلية، المعطيات الأساسية التالية: 

أولاً - لم تجب هذه الانتخابات بشكل شاف وحاسم عن سؤال أساسي يتعلق بمستقبل نتنياهو السياسي وحتى الشخصي: بمعنى هل سيفوز بولاية خامسة ليستحق بذلك لقب ((ملك اسرائيل))؟ وبمعنى هل سيفوز نتنياهو برئاسة حكومة خامسة له، وبذلك سيتجنب دخوله السجن بتهم قضايا الفساد الثلاث الموجهة ضده؟؟. 

وعلى هذا فإن السؤال حول ما اذا كان نتنياهو سيكون ملك اسرائيل او نزيل السجن في اسرائيل لم تحسمه نتائج هذه الانتخابات، او أقله ما يزال هناك مجال للقول بأن نتنياهو ضمن نتائج الانتخابات الرمادية وغير الحاسمة، قد يجد وسيلة كعادته لتنفيذ مناورة سياسية تعيده للحكم. 

وضمن هذه الجزئية يجب التنبه الى ان قوة نتنياهو الأساسية تتمثل بنقطتين: الأولى ان مركز الليكود يؤيده بقوة، وكون الحكم في اسرائيل هو حكم أحزاب فإن نتنياهو قادر على اخضاع كل زملائه في الليكود لإرادته كونه يسلط عليهم غضب المركز في الليكود ((القاعدة الناخبة داخل الليكود)) في حال خالفوه الرأي. 

النقطة الثانية تتمثل بأن نتنياهو يكاد يكون هو الشخصية السياسية الوحيدة في اسرائيل التي تملك خبرة ودهاء سياسيين، ويأتي بعده بدرجة أقل ليبرمن زعيم اسرائيل بيتنا وممثل اليهود الروس. أما باقي الشخصيات الاسرائيلية المنافسة لنتنياهو، فجميعها لا تمتلك الحد المطلوب من مواهب سياسية، بل كل رصيدها يكمن في انها تمتلك ميزات عسكرية اكتسبتها خلال خدمتها في الجيش الاسرائيلي. وعليه فثمة توقع ان يقوم نتنياهو باستغلال أجواء التقارب في النتائج بينه وبين غانتس ليستخدم ميزة قدراته السياسية من اجل خلط اوراق النتائج لصالحه سياسياً. وأحد السيناريوهات المتوقع ان ينفذها نتيناهو هو التالي: يترك نتنياهو الفرصة لرئيس اسرائيل ليقوم بتكليف غانتس كونه يملك أكبر عدد من النواب ليحاول تشكيل حكومة، والأخير لن يستطيع كونه لا يملك قدرة تجميع ائتلاف مدعوم من 61 نائباً. وفي هذه الأثناء التي ينشغل فيها غانتس بالبحث عن كيفية توزيع الحقائب بين اطراف مشتتة، يقوم نتنياهو بسرقة نواب من معسكر أزرق ابيض ومعسكر باراك، ليصبح لديه مجموع النواب المطلوب ((61 نائباً))، وحينها يفرض نفسه رئيساً لحكومة يمينية ضيقة. 

السيناريو الآخر المتاح أمام نتنياهو يتمثل بالاتفاق مع غانتس على حكومة وحدة وطنية، وبذلك يتناوب نتنياهو مع غانتس على رئاستها ((سنتان للأول وسنتان للثاني)) او بالاتفاق مع ليبرمن على حكومة يمين موسعة، رغم ان هذا الخيار قد يجعل نتنياهو يواجه صداماً مع اليمين المتطرف المتواجه مع ليبرمن على قضية تجنيد المتدينين في الجيش.  

ومثل هذين السيناريوهين يؤمنان لنتنياهو نصف هدفه، وهو عدم دخوله السجن. فنتنياهو يحرص كحد أعلى ان يكون رئيساً لولاية حكومية كاملة، وبذلك ينال هدفه الكامل: نيل لقب ملك اسرائيل، والنجاح في الافلات من دخول السجن. اما هدف الحد الأدنى لنتنياهو او ما يمكن تسميته بنصف هدفه، فهو النجاح فقط بعدم دخوله السجن. ونيل نصف الهدف هذا يحتم عليه تشكيل حكومة مع غانتس او مع ليبرمن، بحيث يكون نتنياهو رئيساً لهذه الحكومة خلال نصف ولايتها الأولى فيما يكون شريكه غانتس او ليبرمن في هذه الحكومة رئيساً للنصف الثاني من ولايتها. والمهم لنتنياهو ان يكون هو رئيس النصف الأول من ولاية الحكومة لأنه بذلك سيضمن قيامه من موقعه كرئيس للحكومة بتعديل قانون تحصين موقع رئاسة الحكومة من الملاحقة القضائية، بحيث لا يعود بالامكان ملاحقة نتنياهو قضائياً. 

.. ولكن أبعد من ذلك، فثمة من يقول انه من يضمن لغانتس او لليبرمان ان يفي نتنياهو بتعهده ويتخلى لأحدهما عن موقع رئاسة الحكومة خلال النصف الثاني من ولايتها. ومن يضمن الا يقوم نتنياهو مع اقتراب موعد النصف الثاني من ولاية الحكومة بافتعال أزمة سياسية في اسرائيل تؤدي للدعوة الى انتخابات مبكرة.. وبهذه الطريقة يكون نتنياهو حقق كل اهدافه، منع محاكمته.. واشترى عامين من الوقت السياسي لتحسين وضعه الانتخابي الداخلي، ثم يذهب لمحاولة الحصول على رئاسة سادسة للحكومة. 

وقصارى القول في هذا المجال، ان اسرائيل بعد الانتخابات كما كانت قبلها، ما تزال متموضعة في حقل مناورات نتنياهو السياسية. وعليه فان مفاجأة استمرار نتنياهو كمحرك للحياة السياسية في اسرائيل لا تزال واردة وبنسبة قوة غير قليلة. 

ثانياً - تبين نتائج الانتخابات الاسرائيلية الأولية بأن حظوظ غانتس لتشكيل حكومة متقاربة مع حظوظ نتنياهو، وربما متقدمة عليه فيما لو قرأنا ذلك من منظار حسابي وليس سياسياً. ولكن غانتس لا يستطيع تشكيل حكومة بمفرده، فهو بحاجة حتى ينجح بذلك الى توفر واحد من شرطين: اما التحالف مع ليبرمان او التحالف مع القائمة العربية المشتركة. 

بخصوص التحالف مع ليبرمان، فهناك ثمن سيضطر غانتس لدفعه، وهو احتمال ان يطلب منه ليبرمن المداورة بينهما في رئاسة الحكومة. واستجابة غانتس لهذا الطلب سيصطدم على الأغلب برفض شركائه في معسكر ازرق ابيض، وسيهدد هذا المعسكر بالانفراط وهو بالاساس معسكر يتسم بأنه ليس له بنية حزب بقدر ما هو عملية تجميع لشخصيات تشترك في عدائها لنتنياهو. 

اما ذهاب غانتس للتحالف مع القائمة العربية، فإن هذا سيمثل هزة سياسية كبرى داخل اسرائيل. ومثل هذا القرار لا يبدو ان شخصية مثل غانتس قادرة على أخذه، اولاً لأن غانتس ليس زعامة تاريخية في اسرائيل وثانياً لأن غانتس ليس لديه خلفية فكرية تؤمن بالسلم مع الفلسطينيين، وثالثاً لأن غانتس يعلم ان الجو الشعبي العام في اسرائيل هو يميني ومحافظ ومعاد للعرب ولليسار. 

ثالثاً - لقد أبرزت الانتخابات الاسرائيلية لأول مرة ما يمكن تسميته بظاهرة ((الديموغرافيا الانتخابية العربية)). فلأول مرة يقدم الصوت العربي نفسه بوصفه قادراً على تغيير هوية رئيس الحكومة. وليس المقصود هنا تغيير الهوية السياسية للحكومة، بل بالتحديد تغيير هوية رئيسها. فالصوت العربي اقترع في الانتخابات لمصلحة كسر نتنياهو وعدم السماح له بالوصول الى رئاسة الحكومة، بمعزل عن اسم الشخصية الاسرائيلية التي ستستفيد من ذلك وبمعزل عن هويتها السياسية. ومجرد حصول القائمة العربية على نحو 11 مقعداً او أكثر  فهذا يعني الأمور الاساسية الهامة التالية : 

أ - ان نسبة التصويت بين العرب مرتفعة. ومرد ذلك هو نجاح العرب في توحيد أطيافهم وتشكيل لائحة مشتركة. وهذا الأمر لم يكن متوفراً في الانتخابات ما قبل الأخيرة. وعليه بات يمكن القول ان عرب ال 48 يمرون في لحظ توحد سياسي ولحظة رؤية موحدة لمستقبلهم ونضالهم السياسي. 

ب- حصول القائمة العربية المشتركة على 11 مقعداً او أكثر يعني ان العرب اصبحوا القوة البرلمانية الثالثة في الكنيست الاسرائيلي . وهذا يفتح الباب واسعاً لبدء الحديث عن ظاهرة ((الديموغرافيا الانتخابية العربية داخل اسرائيل)).. وهذا يقوي خيار سياسي موجود داخل الساحة الفلسطينية يتحدث عن ضرورة تلازم النضال الديموقراطي مع النضال العسكري لنيل الفلسطينيين حقوقهم. 

رابعاً - أظهرت الانتخابات ان حزب ((اسرائيل بيتنا)) غير قواعد اللعبة السياسية والانتخابية في اسرائيل، فزعيمها ليبرمن أنتج مكوناً سياسياً جديداً هو خليط من اليمين غير المتشدد ومن اليمن العلماني ومن الجيل الأول من المهاجرين اليهود من دول الاتحاد السوفياتي القديمة. ويريد ليبرمان ان يشكل قوة سياسية تؤدي دور بيضة القبان وتفرض شرودها على القوتين الاكبر في اسرائيل أي معسكري اليمين ويمين الوسط. وحسابياً نجح ليبرمان في الانتخابات الراهنة من تحقيق هذا الهدف، حيث فاز بـ9 مقاعد، ولكنه سياسياً يواجه مشكلة ان كلا الطرفين الأكبر في اسرائيل، أي ((الليكود)) و((أزرق ابيض)) سيحاولان عدم الاعتراف بالضيف الجديد ((ليبرمان)) ولذلك قد يفضلا الائتلاف فيما بينهما، لمنع ليبرمان من تجسيد معادلته كقوة بيضة القبان داخل الحياة السياسية الاسرائيلية.

 

 

الوسوم