بيروت | Clouds 28.7 c

ظريف رفض لقاء ترامب فهل يقبل روحاني؟ بقلم السيد صادق الموسوي

ظريف رفض لقاء ترامب فهل يقبل روحاني؟ بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 19 أيلول 2019

 

أميركا، فوضى في الإدارة وعنف في الشارع.

أميركا التي يعتقدها البعض واحة أمان وأن نظامها هو الأنموذج الأفضل لإدارة شؤون البلاد وتسيير دفة الحكم، وانها بلد مساندة الديموقراطية تسقط في وقوفها بكل قوة ومن دون تردد إلى جانب الصهاينة المحتلين لأرض فلسطين ويبرر إجرامهم منذ يوم التأسيس، ويسقط وهو يطالب بالحرية للشعب في فنزويلا مثلاً رغم انتخاب شعبه رئيسه ديموقراطياً ويوجّه الإهانة لرئيس بلدية العاصمة البريطانية لندن المنتخب وفقاً للأصول، ويساند دولاً لا أثر فيها لعملية انتخابية من القمة حتى القاعدة ويساند زعماء يفرضون سلطتهم الديكتاتورية على شعوبهم بالحديد والنار، وهو ((يدافع)) عن حقوق الإنسان في إيران ويبكي على فتاة أحرقت نفسها لأنها كانت تهوى الحضور في الملعب الرياضي وتعشق مشاهدة المباريات ويبدي الغضب وينادي بالويل والثبور تضامناً معها وهو يبيع بلا وازع أحدث الأسلحة المدمرة لاستمرار الحرب في اليمن مثلاً ويستعمل رئيسه الفيتو ثلاث مرات تحدياً لقرار السلطة التشريعية القاضي بوقف بيع السلاح فيها وينقذ بطائراته العسكرية زعماء الإرعاب كلما تمّ حصارهم ووشك القضاء عليهم ويقوم بنقلهم إلى منطقة أخرى للإستفادة منهم وإثارة الفوضى والدمار عبرهم فيها، ويقول أنه يريد تضييق الخناق مادياً على ممولي النشاطات الإرعابية وهو الذي يخصص الملايين علانية كرشى لمن يتعاملون معه ويبيعون أوطانهم وقومهم ودينهم ولو كانوا من أقذر الناس على وجه الأرض.

وفي الإقتصاد نرى هذه الدولة التي تفرض العقوبات المختلفة الأشكال على من لا يروق لها سلوكها وترفض الخضوع لأوامرها، ويقوم رئيسها علانية ومن دون خجل بابتزاز هذا وذاك مباهياً أنه أخذ من زعيم هذه الدولة ورئيس هذا البلد وأمير هذه الإمارة باتصال هاتفي واحد وقصير مئات مليارات الدولارات دون نقاش وتردد، فتحولت على أثر ذلك الدولة الثرية حتى الأمس القريب وصاحبة الفائض في ثروتها دولة مدينة تستقرض من مواطنيها بسندات خزينة وتستدين من البنوك العالمية بفوائد عالية، ورغم كل هذا الإبتزاز الأميركي وسرقة أموال الشعوب جهاراً نهاراً يتمّ الإعلان عن مديونية الولايات المتحدة بأكثر من 1,000,000,000,000 دولار ويتمّ تبادل الإتهامات بين رئيس الجمهورية وحاكم المصرف المركزي الأميركيين، ويتحدى مرة الرئيسُ الحاكم ومرة يشتم الحاكمُ الرئيس، ولو كان هذا حال دولة من منطقتنا لانهارت العملة الوطنية وسارت التظاهرات الشعبية تطالب بسقوط  ((الطغمة الحاكمة)).

وفي المجال الإنساني نرى النظرة العنصرية متجذرة في عمق الكيان الأميركي رغم المظاهر الخادعة، إذ تُوجّه إلى المواطنين من ذوات البشرة السوداء النظرات الدونية على كافة المستويات، حيث اذا سكن مواطن أسود البشرة في حي ترك سكانه من العنصر الأبيض المكان تدريجاً وهبطت فوراً أسعار العقارات هناك، وتورد وكالات الأنباء والمحطات صوراً حية عن التعامل العنيف من جانب الشرطة مع المواطنين إذا كانوا من ذوات البشرة السوداء، ولا ننسى الأوصاف العنصرية البغيضة التي استعملها مؤخراً الرئيس ترامب بحق أعضاء في مجلس النواب الأميركي من أصول إفريقية وشرق أوسطية، وهو بكل فظاظة يكنّ العداء الشديد لسلفه باراك أوباما كونه ينتمي إلى ذوي البشرة السمراء، ومنذ اللحظة الأولى لدخوله مبنى البيت الأبيض بادر إلى تغيير كامل أثاثه و ((الديكور)) الداخلي الذي بقي من أيام باراك أوباما، وهو بذل وما يزال يبذل كل جهده لطمس معالم المرحلة التي ترأس فيها سلفه الولايات المتحدة، فعلى صعيد الداخل أصرّ على إلغاء الضمان الصحي الذي سُمّي بإسم أوباما، وعلى الصعيد الخارجي يبذل الجهد لاستبدال الإتفاق النووي الذي تمّ في عهد أوباما وهو مستعد ليقدم للجمهورية الإسلامية الإيرانية أضعاف ما جاء في الإتفاق السابق، وقد ألمح أثناء بعض تصريحاته بذلك، وهو يحاول الحصول على أي مكتسب قبل الإنتخابات الرئاسية في مجالي إيران أو كوريا الشمالية حيث يقول باستمرار إنه يودّ اللقاء مع الشيخ حسن روحاني رئيس الجمهورية الإسلامية من دون أية شروط مسبقة رغم أنه سبق ووضع 12 شرطاً أعلن وجوب تحقيقه من قبل إيران بالكـامل قبل أن يوافق على عقد أي لقاء، ووصل به الأمر في بعض المراحل إلى التصريح باستعداده شخصياً ليطير إلى العاصمة الإيرانية للقـاء آية الله خامنئي والرئيس روحاني، وفي آخر محاولة لحصول لقـاء مع أي مسؤول ايراني على أي مستوى قـام الرئيس الأميركي بتكليف عضو لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور الجمهوري راند بول ومستشاره دوغ ستافورد للقاء الدكتور محمد جواد ظريف الموجود في نيويورك لحضور اجتماعات للأمم المتحدة وتوجيه دعوة إليه لزيارة البيت الأبيض ولقاء ترامب ومناقشة مختلف المواضيع بصورة مباشرة، لكن العرض هذا قوبل بالرفض الصريح من جانب الوزير الإيراني.

وفي الجهة الأخرى، كم بذل ويبذل جهوداً ليحصل على أي إنجاز في الملف النووي الكوري الشمالي لكنه رجع من أسفاره الثلاثة خالي الوفاض، وتفاخر أمام الشعب الأميركي بأنه تمكن من إعادة بعض ((رفات)) الجنود الأميركيين الذين قُتلوا هناك بين أعوام 1951 و 1953، ولا ندري هل بقي شيء من تلك الرفات، وابتهج كثيراً لما أذن له الزعيم الشيوعي كيم جون أون بعبور الخط الفاصل بين الكوريتين رمزياً، لكن الزعيم الكوري الشمالي الحدث يبتزّه كل يوم ويهدده من جهة ومن ناحية أخرى يمنّيه بعبارات جميلة فارغة والرئيس الأميركي تتمالكه النشوة كلما أرسل إليه رسالة ويتفاخر بها أمام الرأي العام الأميركي من دون أن تحتوي تلك الرسائل على شيء عملي بل تستمر التجارب النووية والصاروخية الكورية المعتادة بإشراف وحضور الزعيم مباشرة، ويتجاهل ترامب ذلك الأمر وكأنه يقول كما في المثل المصري ((يا رب ما شفتش حاجة)).

وفي الجانب الديني تعمل مختلف الأوساط المؤثرة في الولايات المتحدة الأميركية وبتخطيط من الدوائر الصهيونية بكافة الأساليب وحتى عبر المدارس ومن الصفوف الإبتدائية على ترويج الابتعاد عن التعاليم الدينية والاستخفاف بالقيم السماوية والتوكيد بأن تكوّن الإنسان من سلالة القردة بدل ما تؤكده الديانات من أنه في العقيدة الإسلامية مخلوق في أحسن تقويم وكيان مكرّم من قبل الله سبحانه ومتفوق على الملائكة المقربين إذ نفخ الله في الإنسان الأول آدم على نبينا وآله وعليه السلام من روحه وعلّمه ما حجبه عن ملائكته، وفي العقيدة المسيحية أيضاً أن الإنسان يحمل في داخله روحاً إلهية وهو ذو منزلة عظيمة عند الله، ويتجلى التفاوت بين منطق الأديان السماوية والمنطق المنوي تعميمه على الأجيال في نظرة الإنسان إلى نفسه، فإن اعتقد بسموّ كيانه التزم بما يتواءم مع ذلك السموّ، وإن اعتقد بدناءة منطلق وجوده وأنه نسخة منقحة من صنف حيواني لا ميزة ذاتية خاصة لكيانه الإنساني عندئذ لا يشعر بتاتاً بأخلاق تُلزمه ولا قيم تقيّده ولا عهود يجب عنده الوفاء بها، وتتحكم به الروح السبُعية وتفارقه المشاعر الإنسانية والأخلاق السامية ويصبح كما قال الله سبحانه في القرآن الكريم ((أولئك كالأنعام بل هم أضل)).

وعلى الصعيد السياسي فحدّث ولا حرج حيث تتجلى الفوضى السياسية على صعيد الإدارة في الولايات المتحدة منذ أن وصل إلى سدة الحكم دونالد ترامب، وأصبح عياناً الأرتجال في صدور القرارات الأساسية وفي الأمور بالغة الحساسية، فاتخاذ القرارات عبر التغريدات وإصدار التعيينات وعزل المسؤولين على أعلى مستويات الدولة تحت تأثير الإنفعال والعصبية والتعامل مع أركان إدارته كدمى يجب أن تتحرك وفق مزاجه المتقلب ما أثار سخرية حلفاء الولايات المتحدة قبل أخصامها، وفقدت هذه الدولة العظمى ذات القدرة النووية مصداقيتها بين الدول فلا يكاد يجول وزير الخارجية الأميركي المعيّن حديثاً على بعض الدول ليتعرف على الأطراف ويبدأ التعامل معه وإذ بالرئيس الأميركي يقوم بإقالته عبر تغريدة في تويتر، ولا يبدأ مستشار للأمن القومي المعيّن من قبله اطلاعه على الملفات حتى يصدر قراراً بإقالته من خلال تغريدة، ولا يتعرف وزير الدفاع المعين حديثاً على الخطط والبرامج العسكرية ولا يكمل تعرفه على وجوه رؤساء الأقسام في وزارته حتى يتفاجأ بخبر عزله من دون سابق إعلام وإعلان، والمقربون من شخصه في البيت الأبيض كالناطقين بإسمه ومستشاريه الخاصين وحاملي أسراره لا يأمنون أيضاً مزاجيته المتقلبة حيث يقوم بطردهم بمجرد حصول خلاف بسيط مع ميلانيا زوجه أو ابنته ايفانكا ويلحقهم باتهامات وأوصاف سوقية غير متعارف عليها في الدول المتحضرة، وعلى المستوى الداخلي يتمّ تعيين وزير للعدل ولكونه لم يلبّ رغبات الرئيس الخاصة في أمر ولم يخالف القوانين الواجبة الاتباع يقابله ترامب بالإنتقادات اللاذعة ومن ثم عزله من منصبه، ولا يحترم مند أول يوم توليه السلطة السلطتين التشريعية والقضائية ولا يلتزم بالقوانين الصادرة من مجلسي النواب والشيوخ ويستخدم مكرراً ((حق النقض)) لتعطيل تلك القرارات ويتحدى الأحكام الصادرة من كبار القضاة إذا تعارضت مع رغبات أهوائه، ولا ينجو حتى رؤساء تلك السلطتين من شتائمه وسبابه، وبالنسبة للصحافة والإعلام فعداؤه الشديد للصحافيين ووسائل الإعلام من قنوات تلفزيونية وصحف ومجلات وتحقيره للصحافيين أمر واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، وتتناقل المواقع الإخبارية كل فترة طرد صحفي من البيت الأبيض لمجرد توجيهه سؤالاً لا يروق للرئيس وأيضاً شتمه لصحيفة أو قناة وجّهت نقداً لسياساته غير الناحجة، وباختصار فإن دونالد ترامب يرى الدولة الأميركية شركة استثمارية خاصة له ولعائلته يُدخل من يشاء فيها متى يشاء ويطرده منها إذا تفاوت مزاجهما.

وبعد سرد هذه الحقائق كيف يمكن لمن يملك عقلاً سليماً ولو في أدنى مستوياته أن يرضى بالجلوس مع هذا الرجل ويراهن على إمكانية نجاح التفاوض معه ويطمئن على وفائه بما يوقّع عليه، وطبقاً لهذا المنطق تتصرف قيادة الجمهورية الإسلامية في إيران والرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية ظريف حيث ترفض التفاوض مع ترامب المزاجي المتقلب وتشترط عليه قبل أي شيء احترام توقيع بلاده والعودة إلى اتفاق تمّ بين دول يُفترض أنها تحترم تواقيعها والتزاماتها والذي تُوّج بتصويت إجماعي في مجلس الأمن الدولي وحظي بموافقة ممثل الدولة الأميركية على القرار كما الدول الأخرى الأعضاء الدائمين وغير الدائمين، وفي غير هذه الحالة فإن الإيرانيين لا ينخدعون بالكلام المعسول الذي يقوله دونالد ترامب عن حبه الشديد للشعب الإيراني وحرصه على إسعادهم ورغبته في رفع مستوى معيشتهم ومساندته لتطلعات أجيالهم، وقد ثبت فشل كل رهانات الرئيس الأميركي على مدى السنوات الماضية على تجاوب شرائح ايرانية مع أمنياته والخروج في تظاهرات شعبية مناهضة لنظام الجمهورية الإسلامية رغم الهجمة الإعلامية العالمية الواسعة مترافقة مع الضغوط الإقتصادية المتصاعدة التي مارسها وما يزال على الكيانات الحيوية والمؤسسات الخدمية والشركات التجارية وحتى على الأفراد بادعاءات كاذبة وذرائع واهية، ولقد مضى ثلاث سنوات من رئاسته وشارفت دورته الأولى على الانتهاء ولم ينتج عن جميع مؤامراته سوى توحد فئات الشعب وتكتل شرائحه في مواجهة دولة استعمارية أذلّت في السابق الشعب الإيراني ونهبت خيرات وثروات البلاد وتحكمت في مصيره وهيمنت على قرارات سلطاته، وهو يلتزم حرفياً بكلام للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حيث يقول: ((إعتبروا ممن قبلكم قبل أن يعتبر بكم من بعدكم)).

السيد صادق الموسوي

???✔

انه سبق دائم للشراع: حتمية عودة الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي

 

 

الوسوم