بيروت | Clouds 28.7 c

التصعيد الأخير: زوبعة في الفنجان الدولي والاقليمي / بقلم: مدحت عبيد

التصعيد الأخير: زوبعة في الفنجان الدولي والاقليمي / بقلم: مدحت عبيد

مجلة الشراع 6 ايلول 2019 العدد 1915

 

قرر كل من رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله اجراء منازلة في التوقيت الدولي والاقليمي، الخاطئ. ولذلك فإن كلاهما أفسح للآخر مجالاً للنزول عن شجرة الأزمة التي بدأها نتنياهو بالخطأ، حيث يقال ان الاستخبارات الاسرائيلية لم تكن تعرف ان البيت الذي تم قصفه في بلدة عقربة السورية كان فيه مقاتلون من حزب الله، في حين ان نتنياهو لم يكن يتوقع ان ينكشف أمر الطائرتين المسيرتين اللتين أرسلهما الى الضاحية. كما ان السيد نصرالله وجد نفسه مضطراً للصعود الى شجرة أزمة نتنياهو وتسجيل موقف داخل قاعدته والخارج الاقليمي الذي ينتظر رصد أي حالة وهن تدل على ان حزب الله منهك بفعل العقوبات وبفعل نتائج مشاركته بحرب سورية. 

ثم على عجل عمل الطرفان على بناء مصالح لكل منهما في اشتباك الاسبوع الماضي، نتنياهو من جهته قرر إبقاء الاشتباك مع حزب الله في اطار حالة عالية من التوتر من دون وصول ذلك لحالة حرب. فنتنياهو بلا شك يستفيد من جعل المناخ الانتخابي السائد خلال ربع الساعة الأخير قبل بدء الاقتراع في الانتخابات الاسرائيلية العامة، مناخ توتر أمني يخيم عليه شبح ان اسرائيل تواجه احتمال حصول حرب ضدها.

ومحل افادة نتنياهو يتمثل بأمرين: 

التوتر الأمني سيقلب مناخ الخطاب الانتخابي من سجال شخصي كما كان حاصلاً طوال الاسابيع الأخيرة الى سجال أمني. فقبل عدواني عقربة والضاحية الجنوبية وتهديد حزب الله بالرد الحتمي، كان السجال الانتخابي في اسرائيل يدور حول فساد نتنياهو وحول عدم أهلية بيل غانتس الإدارية وسقوطه في تحرشات جنسية خلال فترة شبابه. ولكن مع بدء احداث التوتر بين اسرائيل والحزب انتقل الخطاب الانتخابي الى أولوية الأمن، وهكذا نجح نتنياهو في التخلص من عبء ان تهم الفساد  تلقي بظلها على حملته الانتخابية. ويمكن ملاحظة ان نتنياهو كان يعاني من تأرجح  في قوته الانتخابية مع ((ازرق ابيض)). ولكن خلال الاسبوع الماضي انتعشت حظوظه في الاستطلاعات بمقابل تراجع غانتس قليلاً وتراجع اليمين المتطرف بقيادة ليبرمان كثيراً. 

الأمر الثاني يتمثل بأنه حينما تجري الانتخابات في مناخ وضع أمني متوتر وقلق من الحرب، فإن الكتلة الناخبة المترددة، سوف تؤجل تفكيرها بالتصويت لمصلحة التغيير السياسي في اسرائيل وذلك تحت مبرر انه طالما الأمور قد تذهب لحرب فإن من الأفضل الآن دعم الاستقرار السياسي القائم والمتمثل بنتنياهو وتأجيل التغيير السياسي الى لحظة يكون فيها استقرار داخلي في اسرائيل. 

وهكذا افاد نتنياهو من ظرف اشتباكه مع حزب الله، واتجه بكل قوته ليجعله توتراً وليس حرباً. فنتنياهو يستفيد انتخابياً من التوتر ولكنه سيخسر بالتأكيد فيما لو تحول هذا التوتر الى حرب وضحايا ودمار. 

من جهته, فإن السيد حسن نصرالله، كان مضطراً للصعود الى شجرة الأزمة التي سبقه للصعود اليها نتنياهو. وصار مضطراً أيضاً لبناء ((معادلة ارباح سياسية)) حتى لا يضطر الى خسارة ((جولة التوتير الأمني)) وليس الحرب التي فرضها عليه نتنياهو. 

لقد كان حاذقاً نصرالله حينما وصف الموقف من جانب حزب الله بأنه يعتمد ((الشجاعة والحكمة)). الشجاعة هي في عدم الهروب من الصعود الى شجرة الأزمة التي افتعلها نتنياهو، و((الحكمة)) هي في عدم الانزلاق لحرب لا يريدها أحد في المنطقة وفي العالم: فهي بالأساس لا تخدم أجندة محور المقاومة الذي تقوده ايران المشغولة في هذه اللحظة بدبلوماسية منازلة دونالد ترامب في الميدان الاوروبي، ولا تخدم أجندة حلفاء ترامب المشغول في هذه اللحظة بجعل سياسته الخارجية تنتظر نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية التي بدأت حمأتها بالتصاعد.  

.. بهذا المعنى، فإن أزمة الاشتباك التي جرت بين اسرائيل وحزب الله، خلال الاسبوع الماضي، لم يكن لها لا مناخ دولي ولا مناخ اقليمي، متشجع لها او متحمس لنشوبها.. وهذا ما يميز طبيعة المناخ الدولي الذي كان سائداً في نهاية شهري آب / اغسطس وبداية ايلول / سبتمبر العام 2019، وطبيعة هذا المناخ الدولي الذي كان سائداً صيف العام 2006 والذي كان متفاعلاً على نحو يستولد نشوب حرب .

والواقع ان هذا التوصيف للمناخ الدولي المنشغل عن تفاصيل اشتباك اسرائيل - حزب الله، جعل مراقبين غربيين في بيروت يصفون ما يحدث على الحدود الجنوبية للبنان والشمالية لاسرائيل،  بأنه مجرد ((زوبعة بين نتنياهو ونصر الله تتم داخل الفنجان الدولي والاقليمي)) المنشغل بتطورات أكبر شأناً. 

السؤال الآن، هو ماذا بعد مرحلة الأيام العشرة الماضية؟؟

الإجابة بحسب دبلوماسيين غربيين في بيروت تتمثل بثلاث نقاط: 

النقطة الأولى تفيد بأن كلاً من نتنياهو والسيد نصرالله، حاول بعد انتهاء احداث الأيام العشرة، أن يبني تتمة سياسية لما حصل: نتنياهو من جهته اعتبر ان المواجهة مع الحزب انتهت بخدعة عسكرية من إنتاجه. وهنا أراد نتنياهو إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد.. داخلياً أراد توكيد صورته بأنه السياسي الوحيد من بين كل الطقم السياسي الاسرائيلي المنتشر حالياً فوق مسرح الترشح الانتخابي. ويهم نتنياهو اظهار صورة سياسية له، وهو يسدد ضربة سياسية لنصرالله الذي يتمتع بصورة لافتة للاهتمام في اسرائيل. 

.. وعالمياً، أراد نتنياهو ان يعيد النقاش الاسرائيلي الى مرحلة ما قبل بدء مسار المبادرة الفرنسية لانتاج ((حل وسط)) يعيد اميركا وإيران الى طاولة المفاوضات. 

ولقد وجد نتنياهو بفكرة تكرار اللقاء على مستوى المستشارين الأمنيين الروسي والاسرائيلي والاميركي، لمناقشة الوضع السوري هو ((تطور ممكن)) بعد احداث المواجهة في الشمال، وذلك  ليظهر امام الرأي العام الاسرائيلي، ان حدث الأيام العشرة الأخيرة، حرك المياه الراكدة في بحيرة ملف التواجد الايراني في سورية وفي لبنان عبر سلاح حزب الله الذكي أي ما يطلق عليه الصورايخ الدقيقة.    النقطة الثانية تتوقف على نتائج الانتخابات الاسرائيلية، وانعكاساتها على المواجهة في الشمال بين اسرائيل وحزب الله وأيضاً بين اسرائيل وايران في كل من سورية والعراق. 

 وبكل الاحوال تبدو بشكل عام نتائج الانتخابات الاسرائيلية شبه واضحة : فهي ستؤدي الى حكومة يمينية مع تحالفات اما مع ليبرمن او مع غانتس. ومهما كانت الجهة التي ستتحالف مع اليمين الليكودي في اسرائيل ((ليبرمن او غانتس)) فإن نتنياهو خلال أول عامين من ولاية رئاسة الحكومة سيكون هو رئيسها. وحينها سيكون لدى نتنياهو اولوية اهتمامات: 

الاهتمام الأول والاساسي هو تمرير قانون في مجلس الوزراء يمنع محاكمة رؤساء الحكومة. بمعنى آخر فان اهتمام نتنياهو الأول سيركز على خلق بيئة قانونية تحميه من دخول السجن. 

الاهتمام الثاني هو مواكبة نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية، حيث سيعمل نتنياهو بنشاط بين اليهود الاميركيين من أجل الاسهام في إعادة انتخاب ترامب لولاية رئاسية ثانية.

الاهتمام الثالث هو محاولة منع حوار ايراني - اوروبي يؤدي الى اخراج ايران من بين فكي العقوبات ومنع الحوار الاوروبي مع ايران من التوصل لتسوية اميركية - ايرانية.. 

وهكذا يبدو ان الحرب مع حزب الله ستأتي بدرجة متأخرة من اهتمامات نتنياهو. 

النقطة الثالثة تتعلق فيما لو نجح تحالف أزرق ابيض بتشكيل الحكومة وترؤس غانتس لها. حينها ستكون حكومة بالتحالف مع الليكود ولكن من دون نتنياهو. وفي هذه الحالة يمكن توقع ان يبادر جنرالات ازرق- ابيض بتغطية من اليمين الليكودي الى شن حرب ولكن على غزة وليس على لبنان، ذلك ان جنرالات اسرائيل يعتقدون ان الخطر الكبير على الأمن الاسرائيلي موجود في غزة، وليس في لبنان، وذلك مهما تعاظمت ترسانة حزب الله العسكرية.   

مدحت عبيد

 

الوسوم