بيروت | Clouds 28.7 c

التقوى والالتزام بالأوامر الإلهية/ بقلم الشيخ أسامة السيد

التقوى والالتزام بالأوامر الإلهية/ بقلم الشيخ أسامة السيد

مجلة الشراع 2 اب 2019 العدد 1911

 

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: ((فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا)) الآية سورة التغابن.

 وعن أبي ثعلبة الخُشني جُرثُوم بن ناشرٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى فرض فرائض فلا تُضيِّعوها وحدَّ حُدودًا فلا تعتدوها وحَرَّم أشياءَ فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمةً لكم غير نِسيانٍ فلا تبحثُوا عنها)) رواه الدَّارَقُطني.

لقد أرسل الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بشريعةٍ سمحة وأحكامٍ راقية يسعد من التزم بها في الدارين ولا يكون من أعرض عنها إلا في خسارة، وقد أمرنا تعالى بطاعة هذا النبي الأكرم لنكون من المفلحين في الدارين.

وعين الحكمة أن يكون العبد مسرعًا في طاعة الله ملتزمًا بما لزِم عليه من الأحكام التي بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو واضحٌ في الحديث، ونحن إن شاء الله نشرع في شرحه فنقول:

قِفْ عند حدِّ الشرع

قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى فرض فرائض)) معناه أوجب الله عليكم أمورًا وألزمكم القيام بها والفرض هو ما يُثاب فاعله ويستحق تاركه العقوبة. وهذه الفرائض تشتمل على الفرض الاعتقادي الذي يتعلق بالقلب، وهو العلم المتعلِّق بمعرفة الله تعالى ورسوله وهو يتضمن تنزيهَ الله عن مماثلة المخلوقين، والتصديقَ بأن الله أرسل الأنبياء جميعًا بدين واحدٍ، وتشتمل هذه الفرائض ما يتعلق بأعمال القلوب من نحو إخلاص النية لله وحده للسلامة من الرياء وتصفيته من الحقد والحسد وسوء الظن بالله وبعباد الله وغير ذلك، وتشتمل الفرض العملي الذي يتعلق بالبدن كإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت.

وقوله صلى الله عليه وسلم ((فلا تُضيعوها)) أي لا تتركوها ولا تقصروا في أدائها، وذلك لأن ترك القيام بما افترض الله هو من الذنوب، وأما نوافل الأعمال من العبادات كرواتب الصلوات أو صيام التطوع أو صدقة التطوع أو الاشتغال بالأوراد والأذكار أو نحو ذلك ممَّا رغَّب فيه الشرع ولم يفرضه الله تعالى فلمن أتى بها من المؤمنين أجرٌ ولا إثم على من تركها.

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم ((وحدَّ حدودًا)) أي بيَّن وعيَّن صفاتٍ أو هيئاتٍ أو مقادير أو أعدادًا لأداء أمورٍ أَذِن في فعلها وقوله ((فلا تعتدوها)) نهيٌ عن تجاوزها، بل المأمور به الوقوف عندها وعدم الزيادة عليها. فحدود الله ما منع الله من مخالفتها بعد أن قدَّرها بمقادير مخصوصةٍ وصفاتٍ مضبوطةٍ كتعيين ركعات الصلوات وما هو القدْر الواجب إخراجه من الزكاة ومتى يجب أداء ذلك، وتعيين زمن الصوم الواجب وصفة الحج وهناك أمثلة كثيرة يطول شرحها.

وحدُّ الشيء هو وصفُه المميزُ له عن غيره، ولما كان العبد العامل بمقتضى ما أمر به الشرع قائمًا بالحق وإذا تعداه وقع في حيَّز الباطل كان المنهي عنه هو التعدي أي مجاوزة حدود الله، فليس لأحدٍ أن يزيد مثلاً على ركعتين في فريضة الصبح، أو على أربع في فريضة الظهر، أو ينقل صلاة الجمعة إلى يوم الأحد، أو يوجب الصوم في شعبان بدل رمضان، أو يُجيز السعي خارج حد الصفا والمروة كما أفتى بذلك بعض أدعياء السلفية في زماننا هذا وعُمِل على تنفيذه فأفسدوا بذلك على الناس حجهم واعتمارهم. قال الله تعالى: ((تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدودَ الله فأولئك هم الظالمون)) سورة البقرة.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((وحرَّم أشياء)) فمعناه مَنعَ من ارتكابها وذلك كالزنى والسرقة وغير ذلك.

والحرام هو ما يستحق فاعله العقوبة ويُثاب تاركه إن تركه امتثالاً لأمر الله، وقد نُهينا عن اقتراف المحرَّمات بقوله صلى الله عليه وسلم ((فلا تنتهكوها)) أي فلا تقربوها، وهنا نقول: إذا ما كان كثيرٌ من الناس يعزم الواحد منهم أحيانًا على فعل الحرام ثم تراه يصرف رأيه عن اقتراف ذلك حياءً وخوفًا من الناس فإن الأجدر به أن يُقدِّم خشيةَ الله تعالى على النظر فيما يقول الناس فيكف عن محارم الله طاعةً لله ورسوله فإن الله تعالى يقول: ((فلا تخشَوُا الناس واخشونِ ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلا)) سورة المائدة. وعن بَهْز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الله أحقُ أن يُستحى منه)) رواه البيهقي.

الترك لا يعني التحريم

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وسكت عن أشياء)) أي تَركَ النصَّ على حكمها فلم يُصرِّح فيها بفرضيةٍ أو حرمةٍ أو كراهةٍ أو استحباب، وليس المعنى أن الله تعالى يوصف بالسكوت الذي هو كصفات المخلوقين فقد دلَّ العقل والنقل على تنزيه الله عن مماثلة المخلوقين.

وقوله: ((رحمةً لكم غير نسيان)) أي رحمة من الله بعباده ورفقًا بهم حيث لم يُحرمها عليهم فيكون المسكوتُ عنه معفوًا عنه لا حرج على فاعله. ويؤيد هذا المعنى ما جاء في رواية إسحاق بن راهويه لهذا الحديث ولفظه: ((وعفا عن أشياء من غير نسيان))، وهذا يعني أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد النص بالتحريم، فما لم يرد النص بحرمته فهو على الأصل وليس لنا أن ندخل في التحريم بمجرد الرأي البحت. ويدل الحديث أيضًا على أن الترك لا يدل على التحريم، ولذلك لا يصح الاستدلال على تحريم أمورٍ من المحدثات بمجرد عدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم لها، لا سيما إذا كان لها أصلٌ في الشرع الشريف بل تُلحق بأصلها، وذلك كعمل المولد الشريف تعظيمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه داخل تحت ما أمر ربنا به في سورة الأعراف بقوله:((فالذين آمنوا به وعزَّروه)) الآية، ومعنى ((عزَّروه)) عظَّموه، وكالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الأذان جهرًا أو سرًا فإنه داخلٌ تحت قوله صلى الله عليه وسلم: ((من ذكرني فليُصلّ علي)) رواه الضياء المقدسي في ((المختارة)) عن أنس بن مالك.

والكلام في سرد الأمثلة على ذلك يطول جدًا ولكن فيما ذكرناه مَقنعٌ لمن يقنع.

 والحمد لله أولاً وآخراً.

الوسوم