بيروت | Clouds 28.7 c

القاضي الرئيس سهيل عبدالصمد اسم علم في القضاء / بقلم القاضي جورج رزق

القاضي الرئيس سهيل عبدالصمد اسم علم في القضاء / بقلم القاضي جورج رزق

مجلة الشراع 26 تموز 2019 العدد 1910

 

 ((لا ينبغي ان تذرف دمعة واحدة على امرىء صالح يموت)).

(غاندي)

لقد شاء القدر منذ ان وطأت قدماي قصر العدل، قاضياً، بعد ممارسة مهنة المحاماة وانتسابي الى القضاء، ان أتشرف بمعرفة الرئيس سهيل عبدالصمد، مستشاراً معه في محكمة الجنايات في بيروت، ومنذ اليوم الأول أدركت ان القدر أودعني في المكان المناسب ومع الشخص المناسب، رجل صاحب مودة وشخصية فذة، مؤمن بالوطن، والقضاء هو في أولوياته، مثقف، ورع صدوق، خلوق، متواضع بكبر في النفس، وراحت الأيام تكر كنت خلالها أتعرف يوماً بعد يوم، على هذا الانسان وما يكتنزه من خصال حميدة ودماثة ولباقة وأناقة، في الخلق والخُلق، وإباء وعنفوان، الى معرفة قانونية ذات مستوى رفيع ليس فقط في قانون الجزاء، وانما في القانون المدني وأصول التنفيذ.. وقد عملنا معاً لسنوات عديدة واكتسبنا منه الكثير من أدبياته ومن علمه القانوني، وفي أصعب الظروف التي كان يمر فيها الوطن، وفي أحلك الأيام، عملنا معاً بأمانة واخلاص بعد تسلمنا محكمة كانت ((تعج)) بالملفات الكبيرة التي تفوق أعدادها الآلاف، فعملنا على تسوية وضعها بتخفيض هذا العدد الى أقل من الحد الأدنى المتعارف عليه، ساعدنا في ذلك الجو الأليف والمحب الذي كان سائداً بيننا، والعلم والخبرة وحسن ادارة الجلسات التي كان يتمتع بها الرئيس عبدالصمد، فكان يدير الجلسة بحنكة ودراية ومعرفة قانونية وصرامة ومحبة، وقدرة، لا بل بفن رفيع المستوى، وبشغف قل نظيره، متسلحاً بما لرئيس محكمة الجنايات، في القانون، من سلطة استنسابية مطلقة، وهذه السلطة، لم يكونا مانعاً له في ان يكون انسانياً، وصادقاً مع نفسه ومع الآخرين، اذ لم تغب الانسانية يوماً عن عملنا القضائي، انسانية ورحمة مع العدالة، نوازنها بميزان العدل، الفائق الدقة، انسانية مميزة ممزوجة بالحزم والحق، دون التفريط، قيد أنملة، بأي حق من حقوق الفرقاء، وليس من حساب أحد او من حقوق أحد، لصالح أحد آخر، وأذكر حادثة حصلت مرة انه بعد انتهاء جلسة محكمة الجنايات، ولدى اخراج الموقوفين والمساجين من قفص الاتهام الا واحداً بقي فيه منتظراً، ليتبين بعد السؤال انه مخلى سبيله بكفالة مالية منذ ما قبل شهرين قدرها ثلاثمائة ألف ليرة لبنانية، وانه غير قادر على دفع الكفالة، عندها صعدنا الى المكتب وبناء على اقتراح الرئيس عبدالصمد جمعنا مبلغ الكفالة من بعضنا ودفعناه وأطلقنا سراح الموقوف، وهذه الحادثة لم تكن الوحيدة والعبرة فيها ليس في اطراء الرئيس الراحل عبدالصمد، ولا القضاء، انما هي للدلالة على روحية الانسانية لديه.

((أوليس العدل الحقيقي هو الذي يجيء مشفوعاً بالرحمة والشفقة والحلم والمحبة)) كما يقول امين الريحاني؟

تدرّج الرئيس سهيل عبدالصمد من مساعد قضائي لدى القضاء العدلي بين العامين 1959 – 1964، واكتسب خبرة وافرة، وعُين قاضياً عدلياً، في العام 1966، وتقلب في مناصب عديدة في القضاء، من قاضٍ في محكمة الافلاس في بيروت الى قاضٍ منفرد في مرجعيون وحاصبيا، وفي النبطية ورئيس غرفة ابتدائية في زحلة، وعضو في مجلس القضاء الأعلى في العام 1990- 1993 ورئيس محكمة جنايات بيروت، ورئيس الهيئة الاتهامية في جبل لبنان، ورئيس غرفة في محكمة التمييز، حتى أصبح عضواً في المجلس الدستوري.

كان وفياً للقسم الذي أداه، متمكناً من اللغة العربية، ومعروفاً بخطه الشبيه بخط المطبعة، وبأحكامه الدقيقة، شكلاً ومضموناً.

وأصدق عبارة عن القاضي سهيل عبدالصمد، ما ورد في الحديث الشريف:

((اضمنوا لي شيئاً من أنفسكم اضمن لكم الجنة)).

((أصدقوا اذا حدثتم، وأوفوا اذ وعدتم، وأدوا اذا ائتمنتم)).

لقد كان صادقاً وفياً أميناً، وهو سالك درب الجنة!

اننا على ثقة بأن زميلينا، لارا ويحيى، والمحامي رؤوف، على نهجك القضائي العادل، سائرون ومتابعون لمسيرتك المشعة.

الوسوم