بيروت | Clouds 28.7 c

مَثَلُ الكلمةِ الطيبة والكلمةِ الخبيثة في القرآن الكريم / بقلم الشيخ أسامة السيد

مَثَلُ الكلمةِ الطيبة والكلمةِ الخبيثة في القرآن الكريم / بقلم الشيخ أسامة السيد

مجلة الشراع 19 تموز 2019 العدد 1909

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: ((ولقد صرَّفنا في هذا القرءان للناس من كل مثلٍ وكان الإنسانُ أكثرَ شيء جَدَلا)) سورة الكهف. لقد تضمن كتاب الله العزيز عِبرًا وأحكامًا وقَصصًا وأمثالاً يتعظ بها العقلاء ويحملهم تأملُها وفهم معناها على الثبات على الحق الذي أوحى الله به إلى نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ولقد صرَّف الله تعالى في القرآن العظيم الأمثالَ أي بيَّنها عِظةً للناس وأقام الحُجج ليتذكروا فيُنيبوا إلى ربهم وينزجروا عمَّا نهى الله عنه، ولكن أبى أكثر الناس إلا الخُصومة وعدم الانصياع إلى الحق كما هو مُشاهدٌ في زماننا في شتَّى أصقاع الأرض وكما هو معلومٌ من حال أكثر البشر قديمًا كما أثبتت ذلك الأخبارُ والتواريخ المتواترة، ولكنَّ اللبيب ينظر إلى تلك الأمثال نظرةَ منصفٍ فيُدرك حقائق الأمور فيدفعه ذلك إلى الخير العظيم لأنه فهم فضل الإيمان وأهمية طاعة الله تعالى وعَرَف حقيقة الدنيا وما تؤول إليه، ومثل هؤلاء في الناس قلةٌ ويؤيد هذا المعنى قولُه تعالى في سورة الإسراء: ((ولقد صرَّفنا للناس في هذا القرءان من كل مثلٍ فأبى أكثر الناس إلا كُفُورا)). قال الطبري في ((تفسيره)): ((يقول تعالى ذِكرُه ولقد بيَّنا للناس في هذا القرآن من كل مثلٍ احتجاجًا بذلك كله عليهم وتذكيرًا لهم وتنبيهًا على الحق ليتَّبعوه ويعملوا به، ((فأبى أكثر الناس إلا كُفورا)) يقول: فأبى أكثرُ الناس إلا جُحُودًا للحق وإنكارًا لحُجج الله وأدلته)).

وإذا ما عُلم هذا فعلى العاقل أن يتأمل الأمثلة في كتاب الله تأمّل مُعتبرٍ ليفهم مدلول الآيات وما تُشير إليه، وفي القرآن الكريم أمثلةٌ كثيرةٌ يستغرق الوقوف عليها جميعًا كُتبًا ومجلداتٍ، وقد صنف العلماء في ذلك نظرًا لأهمية هذا الموضوع.

مَثَلُ كلمةٍ طيبة

ونحن في مقالنا هذا نقف على شرح بعض تلك الأمثلة فنقول وبالله التوفيق: قال الله تعالى: ((ألم تر كيف ضَرَب الله مثلاً كلمةً طيبةً كشَجرةٍ طيبةٍ أصلُها ثابتٌ وفَرعُها في السماء تؤتي أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذن ربها ويضرِبُ اللهُ الأمثالَ للناس لعلَّهم يتذكَّرون ومثلُ كلمةٍ خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثةٍ اجتُثَّت من فوق الأرض ما لها من قرار)) سورة إبراهيم. ضرب الله تعالى مثلاً للكلمة الطيبة ومثلاً للكلمة الخبيثة والمعنى بالكلمة الطيبة إيمان المؤمن. قال الطبري في ((تفسيره)): ((عن ابن عبَّاسٍ قوله ((كلمةً طيبةً)) شهادة أن لا إله إلا الله (أي وأن محمدًا رسول الله) ((كشجرةٍ طيبةٍ)) وهو المؤمن ((أصلها ثابتٌ)) يقول لا إله إلا الله ثابتٌ في قلب المؤمن ((وفرعُها في السماء)) يقول يُرفعُ بها عمل المؤمن إلى السماء)).

فالمؤمن الكامل كالشجرة الطيبة ما يزال يخرج منه كلامٌ طيبٌ وعملٌ صالح يصعد إلى السماء لأنها محلُّ القَبُول والكرامة كما أن تلك الشجرة ما يزال فيها منفعة، وقوله ((تؤتي أُكُلَها كل حينٍ)) أي غُدوةً وعشيةً وهي النخلة في قول ابن عباسٍ كما في ((تفسير الطبري)) وغيره. ويؤيده ما رواه الطبراني في ((الأوسط)) عن عبدالله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ((إن من الشجر شجرةً لا يسقط ورَقُها وهي التي ضُربت مثلاً للعبد المؤمن فما هي؟ فطَفِقُوا يأتون شجَر الوادي ((أي يُسمُّون من الشجر كذا وكذا)) فقال: هي النخلة قال عبدالله: فوقع في نفسي ولكني استحييت أن أُخبر بها)). وإنما شُبِّه المؤمن بالنخلة لأجل كثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرها فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل حتى ييبس وإذا يبس أُكل أيضًا، ويستفاد من خشب النخل وورقه وأغصانه في أمورٍ كثيرةٍ حتى نواه فإنه يُتخذ علفًا للإبل ناهيك عن جمال شجرة النخل وحسن منظرها وثمرها، وفي الحديث بيان مدى فهم ابن عمر إذ عرَف المراد ولكنه استحى أن يتكلَّم حينها بحضرة الأشياخ والكبار وهو يومها حديث السن كما جاء ذلك مفسَّرًا في بعض الروايات.

وفي المعنى الذي تضمنته الآية إشارةٌ لمن يفهم المراد إلى فضيلة الإيمان وأهمية تحقُقه في النفس، وذلك أن الإيمان أي التصديق بالقلب بصحة ما جاء به النبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم المتضمن الإقرار بمعنى الشهادتين هو أفضل الواجبات ولا تصح الأعمال الصالحة بدونه، فقد جعل الله تعالى الإيمان شرطًا لقَبُول العمل الصالح قال الله تعالى: ((ومن يعمل من الصالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئك يدخلون الجنة ولا يُظلمون نقيرا)) سورة النساء. والنقير ثقبٌ صغيرٌ يكون في نواة التمر، والمعنى أنهم لا يُبخسون من جزاء أعمالهم شيئاً ولكن يوفِّيهم الله أجورهم كاملةً يوم القيامة. وروى البخاري عن البَرَاء قال: ((أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ مُقنَّعٌ بالحديد فقال: يا رسول الله أُقاتل أو أُسلم؟ فقال: أسلم ثم قاتل. فأسلم ثم قاتل فقُتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَمِل قليلاً وأُجِر كثيرا)). فالفضل إذًا للإيمان إذ لولا الإيمان لما استفاد الرجل شيئًا ولذلك دلَّه النبي صلى الله عليه وسلم أولاً عليه.

مَثَلُ كلمةٍ خبيثة

وأما الكلمة الخبيثة فهي كلمة الشرك وفي قوله تعالى ((ومثل كلمةٍ خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثةٍ اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار)) ضرَب الله مثلَ الشجرةِ الخبيثة كمثل الكافر فالشجرة الخبيثة اجتثت (استؤصلت) من فوق الأرض ما لها من قرار ((أي ليس لها استقرارٌ ولا أصلٌ تقوم عليه في الأرض)) فالكافر لا يُقبلُ عمله ولا يصعد إلى محل الكرامة والقَبُول أي السماء، فليس لعمله أصلٌ ثابتٌ في الأرض ولا فرعٌ في السماء. قال الطبري في ((تفسيره)): ((ليس له عملٌ صالحٌ في الدنيا ولا في الآخرة)). وذلك أن الكافر ليس له عملٌ صالحٌ ينفعه يوم القيامة ولا حسنات في ميزانه لأنه فقَدَ الشرطَ الذي لا بد منه لقَبول الأعمال الصالحة وهو الإيمان ُكما بيَّنا. قال تعالى: ((أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحَبطت أعمالهم فلا نُقيم لهم يوم القيامة وزنا)) سورة الكهف. وقال أيضًا: ((مثلُ الذين كفروا بربهم أعمالهم كرمادٍ اشتدت به الريح في يومٍ عاصف)) سورة إبراهيم.

والحمد لله أولاً وآخراً.  

الوسوم