بيروت | Clouds 28.7 c

مجرم الحرب بوتين ينشىء غزة جديدة في ادلب/ بقلم: محمد خليفة

مجرم الحرب بوتين ينشىء غزة جديدة في ادلب/ بقلم: محمد خليفة

مجلة الشراع 28 حزيران 2019 العدد1906

 

*في ((غزة السورية)) مليون لاجىء احتموا بحدود تركيا المغلقة وشجر الزيتون! .

*استراتيجية جديدة للنظام: يضع جنوده السنّة في المقدمة ليكون القاتل والقتيل من السنّة!

*النظام يستعمل الصواريخ المعبأة بالفوسفور المحرم دولياً

*هل تنجح ((المجموعة المصغرة)) بإحياء العملية السياسية التي قتلتها روسيا؟

 

بقلم: محمد خليفة

بينما تتجمد الجهود السياسية لحل الأزمة السورية في مستوى الصفر, كما قال رئيس الهيئة السورية للمفاوضات نصر الحريري, تتصاعد العمليات الحربية في محيط حماة وادلب, بأعلى درجاتها, حتى أن أحد الشهود قال إنها أعلى مما شهدته أي حرب في العالم منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم. ووصف ما يجري في شمال سورية بـ((حرب إبادة)) بكل ما تعنيه العبارة, تتسبب بقذف آلاف المهجرين الى العراء والمجهول يومياً، فضلاً عما تحدثه من إصابات بشرية بين قتلى وجرحى. وحتى الذين فروا ونجوا من القصف لم ينجوا إلا من الموت, ولم ينجوا من حالات مأساوية أخرى تشمل جوانب حياتهم كافة. حملوا معهم مآسي لا مثيل لها, إذ يفتقرون لكل مقومات العيش الآدمي من شراب وطعام ومأوى.

بلغ عدد الذين تهجروا وشردوا منذ أول أيار/ مايو السابق بأكثر من أربعمائة ألف سوري (400,000) احتموا بالحدود التركية, لأنهم أدركوا بالتجربة أن روسيا تتجنب قصف المناطق الحدودية لكي لا تستفز الأتراك وتوتر العلاقات معهم فوق توترها المتزايد حتى الآن! كما إن الأمل ما زال يحدوهم بأن الجار الكريم سيفتح لهم أبوابه, أو بإمكان العبور بطرق غير مشروعة.

أحد هؤلاء المعذبين قال: إن تسعيرة العبور بالرشوة تبلغ حالياً بين 700 الى ألف ومائة دولار للفرد. أما مغامرة العبور عبر الجبال فربما تكلف الشخص حياته, وإعادة الطرد إذا وقع في أيدي ((الجندرما)). وأما البقية فليس لهم منجى ولا ملجأ سوى الاستسلام لأقدارهم, والإحتماء بأشجار الزيتون الخضراء, بانتظار معجزة من السماء بعدما قنطوا من رحمة البشر والدول والعالم بلا استثناء.  

غزة السورية

إنها ((غزة السورية)).. هكذا لخص الطبيب السوري ((ح . ح ) الوضع المأساوي في أقصى شمال سورية ومحافظة ادلب, لا سيما المنطقة الممتدة بين قرية سرمدا, وكفر لوسين حيث تراكم مئات الوف اللاجئين الفارين من جحيم القصف الروسي والأسدي على قراهم وبلداتهم في جنوب ادلب وغربها, أو شمال حماة وغربها.

حدثني واصفاً المشهد كما رآه: وصلنا المنطقة, لنؤسس مستشفى خاصاً بعلاج الأطفال, لأننا نتوقع إصابة الآلاف منهم, بسبب انتشار الأمراض والأوبئة نتيجة إرتفاع درجات الحرارة, وتلوث مياه الشرب وندرة أو انعدام الغذاء والدواء والنظافة في هذا الفصل من العام.

وأضاف: مليون سوري على الأقل يتكدسون في هذه المنطقة المحاذية للحدود التركية على أمل ألا يقصفهم الطيران الحربي الروسي والسوري, افترشوا حقول الزيتون التي توفر لهم القليل من الظل. لا معيل لهم, ولا  منظمات إغاثة أو جمعيات, ولا دول, فالمأساة هنا منسية ومغيبة بالمطلق عن اهتمام العالم.

تساءل الطبيب الذي عاش كل فصول المحنة منذ 2011 متنقلاً من مشفى الى آخر ((هل طبيعي أن تتوقف كل القنوات الفضائية عن تغطية المأساة التي تدور فصولها على مدار اليوم والساعة هنا منذ ثلاثة شهور.. ؟ هل هناك من أصدر أمراً دولياً بحجب المعلومات والأنباء عن الرأي العام في العالم.. ؟ أين وكالات الأمم المتحدة الانسانية والصحية والحقوقية.. ؟))! .

تابع محدثي: أشجار الزيتون وحدها تحتضن بحنانها هؤلاء المعذبين. تحت كل شجرة تكومت عائلة ضمن ما يسمى مجازاً ((خيمة)) لا تزيد مساحتها عن ثلاثة أمتار مربعة, الخيمة الحقيقية شيء ثمين وأمنية غالية يتمناها اللاجئون هنا. الخيام المستعملة هنا جرى إعدادها من أقمشة بالية وشراشف عادية لستر عوراتهم وتقيهم بعضاً من لهيب الشمس الحارقة.

نصف هؤلاء كانوا لاجئين منذ سنتين, والنصف الآخر لجأ الى المنطقة في الشهرين الأخيرين مع بداية الحملة العسكرية التي بدأتها روسيا وقوات الأسد على ريف حماة الغربي والشمالي, وصولاً الى جنوب ادلب وحتى شمالها. وأكد الشاهد الذي يتجول في مستشفيات المنطقة طوال ثماني سنوات عجاف ويعرفها قرية قرية, بين قلعة المضيق غرب حماة, الى كفرنبل جنوب ادلب, والآن في باريشا, أن عشرات القرى فرغت من سكانها, بنسب تتراوح بين 70 الى 100%, وخصوصاً القرى الكبيرة مثل معرة النعمان ((مدينة ابو العلاء المعري)) وخان شيخون, وسراقب وكفرنبل.

حرب الابادة

يصف المشهد العسكري: لا أعتقد أن هناك كثافة نارية أشد أو أعلى من الكثافة التي تطلقها قوات روسيا والنظام وحلفائهما على هذه القرى. يؤكد أنه شاهد عشرين طائرة حربية تقصف في وقت واحد على الأهداف نفسها! وكلها أهداف مدنية لا عسكرية. يفسر هذا العنف الهمجي: لقد منيت قوات النظام بخسائر بشرية كبيرة جداً, وقياسية, لم يسبق أن مني بها في  أي مواجهة سابقة منذ بداية الصراع, مما أثار ردود أفعال غاضبة في أوساط الموالين للنظام, ولذلك يتعمد قصف المدنيين لقتل أكبر عدد ممكن منهم ليغذي دعايته الموجهة الى الموالين له بأنه يقتل من الارعابيين والمتطرفين كما يقتلون من قواته, ولكن في الحقيقة أن المعارضة تقتل مسلحين وجنوداً في جيش نظامي مسلح بأسلحة فتاكة ومدمرة, وبتغطية جوية كاملة وقوية, ويهاجمهم دون أن يهاجموه, بينما قوات النظام تهاجم قرى آهلة بالسكان المدنيين من الجو, وبالقصف الصاروخي من مسافات بعيدة. أما المعارك الميدانية المباشرة فهي لا تصيب مدنيين, لأن القرى في الغالب خالية من السكان, والمسلحون الذين يتمترسون فيها هم من أهلها الأصليين يدافعون عنها في وجه المهاجمين الذين يقومون بنهبها وتدميرها بعد الاستيلاء عليها .

ويكشف المصدر الشاهد أن النظام لجأ في الاسابيع الأخيرة وبعد خسائره الكبيرة أمام المعارضة الى حيلة إجرامية تدل على خسته وطائفيته القذرة, تتمثل في حشد ألوف الجنود من الذين جندهم بعد ما يسمى ((المصالحات)) في حمص وريف دمشق وحوران, أي من الطائفة السنية, ووضعهم في الصفوف الأولى, ودفعهم للهجوم, ليكون القتلى منهم, ويكون القاتل والقتيل من الطائفة المذكورة, لا من العلويين!

ويوضح المصدر: هذه الحيلة القذرة دفعت كثيرين منهم  للفرار من قوات النظام للمعارضة, أو الإستسلام لهم حين تتوفر لهم أول فرصة!.

وقال الشاهد إن القصف يتركز منذ شهرين على جنوب ادلب أكثر من أي منطقة أخرى بهدف تهجير سكانها, وهذا ما تحقق فعلاً حيث باتت غالبية قراها خالية من السكان مثل: كفرعويد,كرسعة, سفوهن, معراتة, معرة حرمة, بسامس, أرينبة, حزارين, بليون, النقير, كفرنبل, الشيخ مصطفى، تل عاس والمنطار.. إلخ .

الجدير بالذكر أن المرصد السوري لحقوق الانسان أكد أن قوات النظام قصفت شمال حماة وجنوب ادلب الأحد في 23 – 6- 2019 بمئات الصواريخ المحملة بالفوسفور الحارق المحرمة دولياً.

بعض المتفائلين رأى شمعة أمل صغيرة في هذا الظلام المخيم تتمثل في التحرك الدبلوماسي المتأخر والانتهازي الذي يفترض أن تكون أميركا قد بدأته بالتعاون مع بعض الدول العربية بواسطة ((المجموعة المصغرة))  التي اجتمعت في باريس مطلع الأسبوع ((المنصرم)) .

   

الوسوم