بيروت | Clouds 28.7 c

الدولة الكردية وهم أم حقيقة ؟  بقلم يوسف مرتضى

الدولة الكردية وهم أم حقيقة ؟  بقلم يوسف مرتضى

مجلة الشراع 28 حزيران 2019 العدد 1906

 

يعود تاريخ الشعب الكردي لأكثر من ألف عام، وهو شعب يتميز بلغة وثقافة خاصتين به، والكرد  هم من أكثر شعوب العالم حرماناً من دولة خاصة بهم. لقد قام الكرد بمحاولات كثيرة لإثبات حضورحضورهماستقل، ، فتم إنشاء الخانات الكردية والإمارات والممالك والجمهوريات والحكم الذاتي، ولكن معظم تلك المحاولات باءت بالفشل. ويُبين التاريخ، أن أردلان خاناتي  التي كانت تقع في المناطق الحدودية للإمبراطورية العثمانية وبلاد فارس هي الأطول عمراً بين الدول الكردية، ولم تعد موجودة منذ القرن السادس عشر.

ثم ظهرت بعد ذلك معالم دولة كردية وعاصمتها السليمانية في شمال العراق بين عامي 1921و1942. وأيضاً إقليم كردستان الأحمر المتمتع  بالحكم الذاتي داخل جمهورية أذربيجان الإشتراكية السّوفياتية بين عامي 1923و1929. ثم جمهورية أرارات الكردية آلتي أعلنت عن نفسها في تركيا الحالية من1927إلى 1930. وعاشت جمهورية ماهاباد المتمتعة بحكم ذاتي في شاه شاه إيران لمدة 11شهراً فقطفي العام 1946 . 

وعبر التاريخ تمت تجزئة الشعب الكردي بالحواجز الجغرافية الطبيعية التي تمثّلها سلاسل الجبال في أماكن إقامتهم، وكذلك بواسطة حدود الدول الأربع التي رسمتها القوى الإستعمارية بعد سقوط دولةالخلافة العثمانية : تركيا ، العراق ، إيران،  وسوريا . ونظراً للطبيعة الإستعمارية لبريطانيا العظمى وفرنسا فلم  تمنحا الأكراد الفرصة لإنشاء دولتهم الخاصة في عشرينيات القرن الماضي ، علماً أنمعاهدة "severs ١٩٢٠ " تنص صراحة على إقامة دولة كردية في جنوب تركيا وفي المناطق الشمالية من العراق وسوريا . 

وما تجدر الإشارة إليه ، أن الكرد يشكلون مكوناً حياً بعض النظر عن حجمه في  كل من روسيا وأرمينيا وجورجيا وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان وأوزباكستان  و"إسرائيل " ،هذا في التاريخ ، أماالحاضر ، فقد حقق الأكراد العراقيون أكبر نجاح في الكفاح من أجل حقوقهم وحرياتهم الوطنية ، حيث تمكنوا من انتزاع حق تقرير المصير منذ نهاية العام ٢٠٠٥ بصورة الحكم الذاتي ،  في جمهوريةعراقية فدرالية ، وفقاً لدستور العراق ما بعد صدام حسين .وبالرغم من ذلك لا تزال هناك تعقيدات  تحد من قدرة السلطات الكردية في السيطرة على الإقليم ، ويندرج في ذلك ، المناطق المتنازع عليها فيشمال العراق "محافظة كركوك وغيرها" ، حيث لم تلتزم الحكومات العراقية المتعاقبة من المالكي الى العبادي ، بالمادة ١٤٠ من الدستور العراقي الجديد ، التي تنص صراحة على حل سلمي لهذه المشكلة .هذا فضلاً عن استمرار رفض بغداد اعتماد قانون جديد يعطي مزيد من الصلاحيات للمناطق الكردية في انتاج وتصدير النفط والغاز ما يؤدي إلى تقييد الإقليم اقتصادياً وجعله دائماً تحت رحمة المركز . 

إن عدم حل المسائل المشار اليها إلى جانب  قضايا أخرى جوهرية تمس مبدأ اللامركزية الذي أقره الدستور العراقي ، دفع قادة الإقليم إلى تنظيم استفتاء على استقلال إقليم كردستان  عن العراق في ٢٥أيلول من العام ٢٠١٧ ، فحاز على ٩٢٪‏ من أصوات المقترعين ، وكان الاستفتاء قد شهد إقبالاً غير مسبوق من المقترعين .

غير أن رد الفعل السلبي لبغداد على الإستفتاء ، وقلة الدعم الدولي له  ، لم يسمحا لأربيل بتنفيذ نتائجه . وهكذا أحبط مرة أخرى خيار قيام دولة كردية مستقلة . ومع ذلك أكدت نتيجة الإستفتاء أن الأكراد مازالوا متمسكين بأمنيتهم التاريخية وحملهم المزمن بإقامة دولتهم المستقلة .

لقد أظهرت الحرب الأهلية في سوريا حاجة الكرد إلى حماية أماكن إقامتهم من داعش ، ما دفعهم إلى إنشاء وحدات  الحكم الذاتي للدفاع عن النفس في المحافظات الشمالية من سوريا . ومع مرور الوقت أقرالروس الذين دخلوا إلى سوريا بطلب من النظام بحيثية الحالة الكردية في سوريا . وفي مختلف اقتراحاتهم للتسوية السياسية في سوريا يلحظون الوضعية الخاصة للكرد بصيغة اللامركزية او الفدرالية التييرفضها النظام . وفي المقلب الأخر يدعم الأميركيون وحلفاؤهم الكرد في سوريا ويتعاونون معهم عبر القوة العسكرية التي أنشاؤها تحت مسمى "قوات سوريا الديمقراطية " شرقي الفرات ،  ما يشجع الكردعلى التمسّك بخيارهم الإستقلالي ، وقسم من هؤلاء يلقى الدعم والتحفيز من إخوانهم في كردستان العراق . ويخوض حزب العمال الكردستاني في تركيا منذ سنوات حرب عصابات ضد القوات التركيةالنظامية بهدف انتزاع استقلال إقليم كردستان التركي عن الدولة التركية ، ومن وقت إلى أخر تنشط عمليات المواجهة بين أكراد إقليم كردستان في إيران مع الحرس الثوري والقوات النظامية الإيرانية منخلفية  انتزاع الحقوق القومية الكردية من السلطات الإيرانية . النظامان  في إيران وتركيا ورغم الخلافات والتناقضات بينهما ، تجمعهما المصلحة في التصدي لأي عملية إنفصالية كردية في المنطقة خشيةأن تصيب عدواها بلديهما .

غير أن ما تشهده المنطقة وتحديداً منذ أنفجار  الأحداث في سوريا ، وما أثير مراراً من  قبل مراجع إقليمية ودولية عن ضرورة ولادة شرق أوسط جديد ، وبروز ظاهرة التفتيت المذهبي والإثني في أكثر منبلد في المنطقة ، يطرح السؤال بقوة ما إذا كانت المنطقة تتجه نحو بروز كيانات جديدة وإعادة رسم لحدود دولها على أنقاض  حدود "سايكس -بيكو" ، وما إذا كانت الخلافات الأميركية التركية التي برزتبوضوح إثر محاولة الإنقلاب الفاشلة في تركيا  عام ٢٠١٦ ، والمواجهة الأميركية الإيرانية المستعرة حالياً،   تستبطن نواياً أميركية تستهدف تفكيك هاتين الدولتين  الطامحتين لاستعادة أمجادهماالإمبراطورية ، فيصبح تفكيك دول المنطقة هدفاً أميركياً -إسرائيلياً استراتيجياً لإحكام القبضة عليها . ويكون العامل الكردي أهم المفجرات لأربع كيانات :تركيا ، إيران ، العراق ، سوريا. 

  الكاتب السياسي : يوسف مرتضى

 

الوسوم