بيروت | Clouds 28.7 c

معركة أُحُد والدرس التاريخي / بقلم الشيخ أسامة السيد

معركة أُحُد والدرس التاريخي / بقلم الشيخ أسامة السيد

مجلة الشراع 14 حزيران 2019 العدد 1904

 

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: ((وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإِذن الله)) الآية، سورة آل عمران.

لقد أرسل اللهُ نبيه الكريم محمدًا صلى الله عليه وسلم هاديًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيراً، فقام يدعو الناس إلى الحق المبين ليخرجهم من الظلمات إلى النور فهدى اللهُ به من شاء له السعادة إذ فتح بسيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم قلوبًا غُلفًا وأعينًا عميًا وآذانًا صمًا، ولكن أبى الكثيرون إلا نفورًا وضلالاً وبغيًا فآثروا الشرك واختاروا عبادة الأصنام ورفضوا الإيمان والتوحيد والخضوع لله الذي خلق كل شيء، فراحوا يكيدون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فحاولوا قتله ليلة الهجرة وحشدوا لحربه في بدرٍ فنصره الله وأعزَّه وردَّ كيد الذين كفروا إلى نحورهم، ولكنهم مع هذا لم يتعظوا فاستمروا في إجرامهم وراحوا يتجهزون لحربه صلى الله عليه وسلم مرةً أخرى فكانت موقعة أُحُدٍ التي نصر اللهُ فيها نبيَّه الكريم أيضًا، وجديرٌ بنا في مثل هذه الأيام أن نتذكر هذه المعركة وننظر في بعض الحوادث التي رافقت تلك الحرب لنستفيد من مضامينها ما نستنير به في أيامنا الحالكة.

معركة أُحُد

لقد وقعت غزوة أُحُدٍ في السنة الثالثة من الهجرة يوم السبت لسبع ليالٍ خلت من شهر شوال وملخَّص ما كان من خبر أُحُدٍ أن ناسًا من قريشٍ ممن قُتل آباؤهم وأبناؤهم وأهلهم يوم بدرٍ قالوا: ((إن محمدًا وَتَرَكم وقَتَل خياركم فأعينونا بالمال على حربه لعلنا نُدرك ثأرنا)) ومشى ناسٌ إلى أبي سفيان وهو رأسهم يومها فكلَّموه في ذلك فقال: ((جهِّزوا بهذه العير جيشًا إلى محمدٍ)) وكانت ألف بعير واجتمعوا مع من حالفهم من القبائل وخرجوا في ثلاثة آلاف مقاتلٍ لغزو المدينة، وكتب العبَّاس وكان في مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُخبره بأمر القوم، فخرج صلى الله عليه وسلم في ألفٍ من الناس حتى إذا كانوا بين المدينة وأُحُدٍ قال عبد الله بن أُبيّ بن سلول وكان رأس المنافقين: ((ما ندري علام نقتل أنفسنا)) فرجع في ثلاثمائةٍ ممن أطاعه من أهل النفاق، ومضى النبي صلى الله عليه وسلم في سبعمائةٍ من أصحابه حتى نزل بأُحُدٍ وقال: ((لا يُقاتل أحدٌ حتى آمره بالقتال)). وتهيَّأ بمن معه للحرب وجعل جبل أُحُدٍ خلف ظهره وجعل جبل عَيْنَيْن (المعروف اليوم بجبل الرماة) عن يساره وجعل عليه خمسين من الرماة في موضعٍ مُعيَّنٍ وأمَّر عليهم عبدَ الله بن جُبيرٍ وقال: ((إن رأيتمونا تخطَّفنا الطير فلا تَبْرَحُوا (أي لا تغادروا أماكنكم) حتى أُرسل إليكم وإن رأيتمونا ظَهرنا (انتصرنا) على القوم فلا تبرحوا حتى أُرسل إليكم)).

ثم كانت الموقعة فهزم الله المشركين فقال بعض الرماة: ((الغنيمة أي قومٌ الغنيمة ظَهَر أصحابكم فما تنظرون (تنتظرون))). فقال ابن جُبير: ((أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم)) فخالفوا كلامه وترك عامَّتُهم الجبلَ مخالفين أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رأى خالد بن الوليد وكان يومها مع المشركين قلة الرماة حَمَل عليهم فقتل من بقي منهم وشدَّ بمن معه على المسلمين، وأبصر ذلك من كان منهزمًا من المشركين فرجعوا إلى القتال وأصابوا من المسلمين مقتلةً عظيمةً، وكان يومَ بلاءٍ شديدٍ استشهد فيه من المؤمنين خمسة وستون رجلاً منهم حمزةُ بن عبد المطلب عمُّ النبي صلى الله عليه وسلم، رماه وحشيٌ بحربةٍ وكان مشركًا يومها ثم أسلم بعد ذلك بزمن. وقد نزل من القرآن الكريم في شأن أُحُدٍ ستون آيةً من سورة آل عمران.

وجاء في ((تفسير الطبري)) في الآية التي ذكرناها في بداية المقال: ((والذي أصابكم يوم التقى الجمعان وهو يوم أُحدٍ حين التقى جمع المسلمين والمشركين ويعني بالذي أصابهم ما نال من القتل من قُتِل منهم ومن الجِراح من جُرِح منهم فبإذن الله يعني بقضائه وقَدره فيكم)). وفي ((تفسير الطبري)) أيضًا في قوله تعالى ((وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا)): ((ليَمِيز أهلُ الإيمان بالله ورسوله المؤمنين منكم من المنافقين))

أي ليُظهر اللهُ ذلك للناس. أما الله تعالى فهو أعلم بما في بواطن الناس وأعلم بنفس المرء من نفسه ولا يخفى عليه شيء، ومن اعتقد بربه خلاف ذلك فقد ضلَّ وهلك.

تنبيهٌ مهم

ولنا هنا كلمة: ليُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُهزم أبدًا لا في أُحدٍ ولا في غيرها من سائر الغزوات بل كان عليه الصلاة والسلام أشجعَ البشر وأثبتَهم قلبًا متوكلاً على ربه في كل حالٍ واثقًا بنصر الله تعالى. روى أحمد عن الإمام علي بن أبي طالب قال: ((كنَّا إذا احمر البأس ولقي القومُ القومَ اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون منَّا أحدٌ أدنى من القوم (العدو) منه)).

وقال النووي في ((شرح صحيح مسلم)): ((احمرار البأس كنايةٌ عن شدة الحرب واستُعير ذلك لحُمرة الدماء الحاصلة فيها في العادة أو لاستعار الحرب واشتعالها كاحمرار الجمر)).

ومعلومٌ أن الشجاعة من الصفات الواجبة للأنبياء فيستحيل عليهم الجُبن ومن نسَب إلى أحدٍ منهم الجُبن والهربَ من الزحف عند لقاء العدو فقد ضلَّ وفارق الملة فليُحذر ذلك.

ويتأكد بما مرَّ أيضًا أهمية التمسك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فإن طاعته طاعةٌ لله، قال تعالى: ((من يُطع الرسول فقد أطاع الله)) سورة النساء. فلقد خالف أولئك الرماةُ الأمرَ النبوي فأصابهم ما أصابهم وكان البلاء الشديد، فكيف بحال الأمة اليوم وقد أعرض أكثرُ الناس عن الالتزام حق الالتزام بالشرع الشريف، فكم وكم من البلاء اليوم يصيب الناسَ بسبب الذنوب وهم في الغالب غافلون عن التوبة، وقد حذَّرنا الله من مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ((فليحذر الذين يُخالفون عن أمره أن تُصيبهم فتنةٌ أو يُصيبهم عذابٌ أليم)) سورة النور.

فهذا تحذيرٌ من ترك العمل بمقتضى أمره صلى الله عليه وسلم كي لا تُصيب هذا المخالفَ فتنةٌ أي محنةٌ في الدنيا أو يُصيبه العذابُ الأليم في الآخرة.

والحمد لله أولاً وآخراً.     

 

الوسوم