بيروت | Clouds 28.7 c

مهرجان ((كان))) يقف ضد بشار الاسد

عدة دقائق من التصفيق مع وقوف كل الحاضرين تحية وتقديرًا لفيلم ((إلى سما)) للمخرجة السورية وعد الخطيب والمخرج إدوارد واتس، المعروض في القسم الخاص للمهرجان، وقد حظي الفيلم بأكبر قسط من الإعجاب والدفء والتعاطف. 

المخرجة كانت واعية ومدركة أن تلك اللحظات من عمرها والتي عاشتها مدينة حلب تحت الحصار في أعقاب الثورة السورية لن تصبح لقطات عابرة في الحياة، سترسم مسار ملامحها وتفاصيل مصيرها.. وهكذا وثقت بالكاميرا الثورة بعيون الطفلة التي ولدت على أصوات المدافع وأزيز الطائرات الروسية سوخوي، حيث الضربات العشوائية التي انهالت على رؤوس الجميع.

هذا الفيلم وصل للذروة بدرجة التماهي التي حققها مع الجمهور، لأنه قائم على تجسيد كل تفاصيل الحياة وما جرى في حلب السورية من قتل ودمار وتشريد.

اللقطة المسجلة كانت وستظل هي السلاح الأهم الذي لا يستطيع أحد تجاهله أو التشكيك في مصداقيته، وثورات الربيع العربي وثقتها كحد أدنى كاميرا ((الموبايل)) بالآلاف من اللقطات ومن مختلف الزوايا، ولهذا كانت استعادتها من الأرشيف وبثها للحياة وما تزال من الأفكار القادرة على مخاطبة الوجدان.

قطعًا المدن السورية تعرضت للحرب أو شهدت ميلاد الثورة وأيضاً موتها، الشرارة بدأت في ((درعا))، ولكن محافظة ((حلب)) لم تكن بعيدة أبدًا عن الثورة ولا عن محاولة قمعها أيضاً، والكاميرا كانت جاهزة تلتقط وتوثق.

((سما)) تلك الطفلة التي ولدت عام 2012، بينما يعيش البلد أسوأ أيامه، حيث الدمار والقتل العشوائي والدفن الجماعي الذي وثقته الكاميرا، وشاهدنا جانبًا منه..

ثلاثية الحب والزواج والإنجاب جمعت بين المرأة والرجل في عز الدمار والدموية، وجاءت بعدها بعام واحد ((سما)) لتعيش طفولة بائسة، تسأل الأم دائماً: هل أخطأت عندما قررت إنجابها في هذا التوقيت؟.. الأسرة تؤدي واجبها تجاه الجميع، لأن البعل يعمل طبيبًا في مستشفى بلا إمكانيات، بينما الدماء لا تتوقف عن النزيف، الدماء التي أريقت على الأرض والأجساد التي وُوريت التراب تبقى في الذاكرة محفوظة ولا يجرؤ أحد على أن يمارس أي محاولة لاغتيال الحقيقة، الثورة السورية بدأت وهي لا تحلم سوى بالحرية، ولكن جاء عنف النظام بضراوة، وكانت الضربات العشوائية تنهال على البسطاء الذين كانوا يهتفون فقط للحرية، ومزقوا صور وتماثيل بشار وأبيه حافظ، فدفعوا الثمن وما يزالون.

لم يخفِ أبداً مهرجان ((كان)) انحيازه الدائم للثورة السورية ووقوفه ضد استمرار بشار الأسد رئيسًا للبلاد، وهو للتوثيق أول مهرجان عالمي كبير يقرر المشاركة في دعم ثورات الربيع العربي، وعرض في 2011 لمصر وتونس وليبيا وسورية واليمن العديد من الأفلام التي انحازت للثورة، وكان لمصر نصيب معتبر منها، عدد من المشاركات كان وراءها البعد السياسي، ولكن هذه المرة جاء الفيلم السوري وهو يرتكن إلى إبداع وصدق.

شاهدنا العديد من اللقطات التي أكدت أن الرغبة في الحياة تمتلك أسلحة لمواجهة الموت، طفل بين الحياة والموت بكل التفاصيل نراه وتتعلق أنفاسنا بأول شهقة له في الدنيا.

مخرجة الفيلم وبعلها الطبيب يعيشان في حلب الحلم والذكرى، قبل عامين، شدت الأسرة الرحال خارج الحدود، واصطحبت معها تلك التسجيلات ووثقتها في فيلم، ليصبح شاهد إثبات على كل ما جرى.

العام الماضي، عرض المهرجان الفيلم السوري ((قماشتي المفضلة)) للمخرجة الأرمنية الجذور السورية الهوية، جايا جيجي، في قسم ((نظرة ما))، كانت المخرجة بنعومة شديدة وبلا مباشرة تعلن رأيها ضد بشار.. قبل عرض الفيلم، بشر وقتها التليفزيون الرسمي السوري بالفيلم لأنه لم يسبق لهم مشاهدته، ولكن بعد العرض لم يعد مسموحًا بالإشارة إليه، بينما ((إلى سما)) من البداية لم يتم الحفاوة به في سورية، لأنهم يعلمون أن الهدف هو انتقاد النظام والمطالبة بالتغيير وتنشيط الذاكرة بالمذابح التي شهدتها العديد من المحافظات السورية، وعلى رأسها طبعاً حلب.

لم تعد أوروبا سياسيًّا تتبنى هذا الرأي الذي يضع تنحي بشار مقابل بداية الحل، وأغلب الدول العربية تنازلت أيضاً طواعية عن هذا الشرط المسبق الذي كان يقف دائماً في مواجهة أي تسوية.

هناك توافق شبه عربي، حتى لو اختلف في التفاصيل، على القفز فوق تلك النقطة الشائكة، إلا أن الفنان يتعامل بالحلم، ولا يعنيه في كثير أو قليل تغير المعادلات على الأرض القابلة في أي لحظة أيضاً للتغير 180 درجة.

هل مهرجان ((كان)) يتبنى السياسة الفرنسية؟.. لا أتصوره يفعل ذلك حرفيًا، هو قطعًا لا يقف على الجانب الآخر من الموقف الرسمي للدولة، ولكنه من المؤكد لا ينطق بإسمه، السياسة قائمة على قانون الممكن، بينما الفن يرنو للمستحيل، ولهذا تحلق الأفلام بعيداً إلى السما، ومنها أيضاً جاء اسم 

الفيلم ((إلى سما)).

 

غ.د

الوسوم