بيروت | Clouds 28.7 c

نصر الله وملف الفساد: مصلح أم إصلاحي؟؟ / بقلم مدحت عبيد

نصر الله وملف الفساد: مصلح أم إصلاحي؟؟ / بقلم مدحت عبيد

مجلة الشراع 31 أيار 2019 العدد 1903

 

خلال الحملة الانتخابية وعد أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله قاعدته الاجتماعية العريضة بشن حرب على الفساد ترقى الى مستوى حرب المقاومة التي واجه بها الاحتلال الاسرائيلي للبنان. وقال نصر الله ان الفساد هو عدو له منزلة عدو الارعاب. 

ومع انتهاء الانتخابات عاد نصر الله ليؤكد لجمهوره، بأنه ما يزال عند وعده الانتخابي بخصوص عزمه على مكافحة الفساد. وبدا ان حزب الله قد أوكل هذا الملف للمتابعة الى نائبه في البرلمان حسن فضل الله. وأعلن الأخير انه سيطارد ملف غياب قطع الحساب خلال حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. حينها برز نقد للحزب مفاده انه ينتقي أهدافاً استنسابية في معركته لمكافحة الفساد. وبعد ذلك خفت صوت حزب الله، ولم نعد نسمع له صوتاً في حرب مكافحة الفساد. 

وبحسب متابعين لهذا الملف، فإن ازمة حزب الله مع مهمة محاربة الفساد تقع في ثلاثة عناوين كبرى: 

العنوان الأول: هو حرج كبير يواجهه الحزب بخصوص ان هناك مناطق حساسة في ملف الفساد لا يستطيع مبضع السيد حسن الجراحي الوصول اليها. والمقصود هنا وجود ارتكابات فساد قام بها حلفاء له. وتقول هذه المصادر ان نصر الله قادر على محاسبة أعضاء في حزب الله فيما لو ظهر فسادهم، وحتى أنه قادر على رفع الغطاء عنهم، كون السيد لديه سلطة مطلقة على الحزب. وكونه سيستطيع إعطاء مثل مقبول حينها مفاده ان عباءته لا تغطي فاسداً حتى لو كان من لحمه ودمه التنظيمي.. ولكن نصر الله لا يستطيع فعل الأمر نفسه مع حلفائه القريبين او حتى البعيدين، وسبب ذلك ان التوازنات السياسية الداخلية التي يتنفس حزب الله من رئتها، غاية في التعقيد، وهامش مناورة نصرالله حيالها ليس واسعاً وليس مرناً، وليس له أرضية سياسية صلبة.. ومنذ فترة غير قصيرة أصبحت علاقة نصر الله بحلفائه تقوم على معادلة مصلحية محضة وقوامها: الحزب يقدم الحماية للحلفاء .. والحلفاء يقدمون له الغطاء السياسي الداخلي.. 

لقد حاول الحزب بعد فشل جولته الأخيرة بفتح ملف ((الفساد)) لحكومة السنيورة، تدوير زوايا مبادرته في هذا المجال، فعرض في كواليس مشاوراته بهذا الخصوص فكرة ان يبدأ العهد خلال حكومته الأولى رحلة مكافحة الفساد من هذه اللحظة، بمعنى ان يقال عفا الله عما مضى، ونحن أولاد هذه اللحظة ببدء مسيرة مكافحة الفساد. غير ان أي طرف سياسي لا يتجرأ على رفع مقولة ((عفا الله عما مضى))، لأن القائل بها سيتهم بأنه غطى سياسياً كل مراحل الفساد الماضية، خصوصاً وأن الشارع اللبناني يسأل: من المسؤول عن إفقار البلد؟،  وعن كل الهدر الماضي والمستمر منذ بدء الطائف حتى الآن ؟؟. 

.. أضف لذلك انه داخل التيار الوطني الحر تسري أقاويل من نوع ان مشكلة التيار الأزرق مع الأصفر بعد وصول الرئيس عون لرئاسة الجمهورية تكمن في الخلاف بينهما على كيفية النهوض الاصلاحي.. وهذه الاقاويل تصور باسيل بأنه يريد الإصلاح لكن الحزب لا يسايره في هذا الهدف لأن الأخير لا يمكنه الاصطدام بحلفاء له متهمين بالفساد.. 

العنوان الثاني لأزمة حزب الله بخصوص مكافحة الفساد، تتعلق بحسب المتابعين لهذا الملف بالتوقيت السياسي الاقليمي لهذه اللحظة. فالحزب امتنع طوال الفترة الماضية عن فتح ملف ((الفساد)) تحت ذريعة انه منشغل بحروب إقليمية قاسية، وأنه بغنى عن فتح معركة سياسية داخلية حامية الوطيس في الوقت نفسه الذي يخوض فيه حروباً خارجية صعبة ومكلفة سياسياً وعسكرياً. واذا كانت هذه المقولة صحيحة بالأمس فإنها صحيحة بشكل مضاعف اليوم. فالحزب يخوض في هذه اللحظة أصعب حروبه الاقليمية وذلك على خلفية التحاقه بمعارك حليفه الايراني ضد واشنطن وتحت وقع عقوبات الأخيرة المالية والاقتصادية، عليه وعلى طهران. وعليه فإن الحزب عاد وبقوة ليقف عند نظرية انه لا يمكنه حالياً خوض حربين داخلية سياسية ضد الارعاب والعقوبات واُخرى خارجية ضد احتمالات حرب اميركية عليه وعلى محوره في سورية والعراق. وكل هذه الظروف تقود نصر الله عملياً لينأى بنفسه عن معركة مكافحة الفساد، حتى يستطيع ان لا ينأى بنفسه عن مواكبة الحروب الاقليمية بل حتى يستطيع الانخراط بها بقوة أكبر هذه المرة. 

العنوان الثالث لأزمة الحزب مع مكافحة الفساد يتصل بأن واشنطن عبر معركة العقوبات المالية عليه، بدأت تخوض لأول مرة حرباً اقتصادية ضده تحاول ان تطارده الى داخل أرضه في لبنان وإلى داخل معقله في الضاحية الجنوبية وحيث توجد بيئات اغترابية محسوبة عليه. وكل هذا يجعل الحزب في حرب دفاعية اقتصادية وليس في حرب يمتلك فيها زمام مبادرة الهجوم. وشعار الدفاع يحتم على الحزب الحفاظ على مواقعه وتحصينها في الداخل وانتقاء اهداف محددة للهجوم عليها وذلك وفق نظرية الدفاع الاستباقي. وبكل الاحوال فإن الحزب معني بالدفاع على الجبهة الاقتصادية وليس بالهجوم  السياسي الداخلي. ومؤخراً، حدد نصرالله اهدافه الداخلية الدفاعية والاستباقية وهي تمثلت بهدفين اثنين: 

الهدف الاول: اتخذ شعار جمع التبرعات لمقاومة توجه اميركا لتجفيف مصادر تمويله. والواقع ان هذا الشعار يستهدف استنفار حالة تعبئة قواعده الشعبية لتكون شريكة له في معركته ضد العقوبات الاميركية بأكثر مما تستهدف تحصيل الاموال لسد عجز الحزب المالي المتأتي عن العقوبات. فنصرالله يريد القول لقواعد الحزب الاجتماعية انه كما ضحوا من أجل المقاومة عليهم الآن التضحية من أجل دحر الحرب الاقتصادية الاميركية على المقاومة. ولقد رفع نصرالله سقف خطابه الهادف الى حث جمهوره على الانخراط في المقاومة الاقتصادية الى أعلى درجة ممكنة، فتحدث عن نماذج من المقاومين الاقتصاديين الذين عرض أحدهم  التبرع  بكليته لدعم المقاومة لأنه لا يملك المال، وآخرين باعوا ما يملكون من الذهب، الخ.. ونصرالله يعلم ان حروبه لا يمكنها الوصول الى المرجو منها من دون نيل دعم حاضنته الشعبية. ويدرك تماماً معنى قول ماو تسي تونغ بخصوص ان المقاومة سمكة لا تعيش خارج الماء الذي هو حاضنها الشعبي.. 

.. والواقع ان نصرالله في لحظة سياسية لا تتيح له مكافحة الفساد رغم انه وعد بذلك ورغم يقينه بأن قواعده الشعبية باتت تعطي شعار مكافحة الفساد أولوية على شعارات العداء لإسرائيل وأميركا.. وكل ما يستطيع نصرالله فعله اليوم هو إعطاء مواعظ بخصوص ضرورة ان تعمل ((حكومة الى العمل)) ما بوسعها لوقف الهدر، وذلك على نحو يشعر قاعدته الاجتماعية انه مستمر بالجهاد ولو بأضعف الايمان اي باللسان . ويشبه نصرالله في موقفه من الفساد الرئيس شارل الحلو عندما أراد تنظيف الادارة العامة من المفسدين.. آنذاك أو بمناسبة السنة الثانية من عهده تكلم عن ضرورة اصلاح الادارة ورفع الصوت قائلاً ان هناك فاسدين فيها ولكن لم يسم فاسداً واحداً منهم. وعلق ميشال ابو جودة حينها على الرئيس الحلو قائلاً انه يعظ بعدم الفساد ولكنه لا يسمي الفاسدين.. وكلامه هذا يشبه موعظة الكاهن الذي يهاجم الشر بالمطلق لكنه لا يسمي من هم الأشرار في الرعية. وهذا هو الفرق بين الاصلاحي الذي يشير بإصبعه الى الفاسدين وبين المصلح الذي يشير الى الشر بالعموم . وعليه فإن الرئيس الحلو مصلح صادق ولكنه ليس اصلاحياً والإدارة تحتاج الى اصلاحي وليس الى مصلح .. واقع حال الرئيس الحلو مع مكافحة الفساد ينطبق اليوم على نصرالله الذي قال في احدى خطبه يوجد لدي ملف عن الفساد ولكن لا وجود لفاسدين.. وهذا خطاب المصلح وليس الاصلاحي.. وأزمة نصر الله هنا هي ان قواعد الحزب الاجتماعية تريد فضح ملف الفاسدين داخل ملف الفساد.

مدحت عبيد

 

الوسوم